المعارضة بين الشرعية الديمقراطية والتخريب السياسي: قراءة في الواقع العراقي..!
ضياء ابو معارج الدراجي ||
في النظم السياسية المعاصرة، تُعد المعارضة جزءًا أساسيًا من آليات الحكم الرشيد، وخاصة في الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي كمنهج لتداول السلطة. فالمعارضة في مثل هذه الأنظمة لا تُصنَّف عدوًا للدولة،
بل شريكًا في رسم مسارها، سواء من خلال المساءلة البرلمانية أو من خلال التنافس الانتخابي الشريف.
لكن، هذا المفهوم السامي للمعارضة يُساء استخدامه أحيانًا من قِبَل فئات تدّعي الانتماء إليه زورًا، وهي في حقيقتها لا تعترف بالديمقراطية ولا تقبل بالتداول السلمي للسلطة، بل تحمل معها مشروعًا استبداديًا يُخفي وراء شعارات الحرية والعدالة نوايا الاستعباد وإعادة إنتاج القمع.
أولًا: تعريف المعارضة وأهدافها
في سياق علم السياسة، تُعرف المعارضة بأنها جماعات أو أفراد يختلفون مع الحكومة في السياسات أو الممارسات، ويعملون على تقديم بدائل سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية عبر الوسائل المشروعة.
في الأنظمة الديمقراطية، تُعتبر المعارضة ضرورة لاستمرارية الحياة السياسية، فهي من تمارس الرقابة وتكسر احتكار السلطة وتطرح برامج منافسة وتُساهم في تجديد النظام وتحسين أدائه.
أما في الأنظمة الاستبدادية – سواء كانت ديكتاتورية عسكرية أو ملكية مطلقة أو وراثية حزبية – فإن المعارضة تكون مستهدفة، ومحرومة من الحقوق السياسية، وغالبًا ما يُلاحق أعضاؤها بالاعتقال أو التصفية الجسدية، كما هو الحال في أنظمة صدام حسين، أو غيره من الطغاة في تاريخ العالم العربي.
ثانيًا: المعارضة في النظام الديمقراطي
الأنظمة الديمقراطية توفر مساحة واسعة للمعارضة كي تنشط وتُعبر عن نفسها بوسائل سلمية، أبرزها الانتخابات، الإعلام الحر، منظمات المجتمع المدني، والاحتجاج السلمي.
فالمعارضة هنا لا تُمنع من الترشح أو الترويج لأفكارها، بل يُمنح لها الحق الكامل في كسب تأييد الشارع، وإذا حصلت على الأغلبية فإنها تنتقل من خانة المعارضة إلى سدة الحكم.
وهنا تكمن العدالة السياسية: لا أحد يُقصى بسبب رأيه، ولا يُقتل بسبب معارضته، ولا يُسجن لأنه لم يُصفق للسلطة.
بل إن الدولة الديمقراطية تحتفظ بمؤسسات حيادية تضمن حقوق الجميع، سواء كانوا في الحكم أو المعارضة.
ثالثًا: معارضة الخارج… بين الهزل والانتهازية
اليوم نرى في المشهد العراقي ما يُسمى بـ”معارضة الخارج”، وهي مجموعات مشتتة في البلدان الغربية والعربية، تدعي أنها تمثل الشعب العراقي، بينما في الحقيقة أغلبها متورط بجرائم موثقة، أو صادر بحقها مذكرات قبض من القضاء العراقي، أو متهمة بالتحريض على الإرهاب والعنف.
الأدهى من ذلك أن بعض هؤلاء الأشخاص سبق لهم أن شاركوا في العملية السياسية، وترشحوا للانتخابات، لكن الشعب العراقي رفضهم عبر صناديق الاقتراع.
والبعض الآخر كان جزءًا من المنظومة الحكومية بعد 2003، تسلم مناصب عليا ووزارات، واستغلها للسرقة والفساد، ثم هرب إلى الخارج، ليبدأ بعد ذلك بإلقاء اللوم على الدولة نفسها التي نهبها، متقمصًا دور المعارض والمنقذ الكاذب.
هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية، ولم يشاركوا فيها يومًا بإخلاص. بل إن خطابهم كله يصب في اتجاه الحنين إلى أنظمة القمع والبطش، أو تقديم بدائل سلطوية قاتمة على غرار ما حدث في بعض مناطق المعارضة السورية المسلحة، تحديدًا في نموذج “هيئة تحرير الشام” بقيادة الجولاني، حيث انتقلت المعارضة من السعي للإصلاح إلى فرض نظام مستبد آخر يستخدم السلاح والدين لتبرير التسلط، ويغتال كل من يخالفه.
هذا النموذج – الذي حاول أن يستبدل الاستبداد باستبداد آخر – يفضحه الواقع ويُفقد من يقف خلفه أي مشروعية سياسية أو أخلاقية. والعراق – الذي ذاق ويلات الدكتاتورية – لا يمكن أن يسمح لمشروع مشابه أن يجد موطئ قدم، لا من الجولاني ولا من أشباهه من مدّعي “المعارضة” في الخارج.
رابعًا: الشعب هو الحكم النهائي
في النهاية، الشعب هو من يمنح الشرعية، وصناديق الاقتراع هي الميدان الحقيقي للمعارضة الوطنية. فالمعارضة التي ترفض المشاركة في العملية السياسية، وتُراهن على الفوضى والانقلابات والدعم الأجنبي، لا يمكن أن تكون وطنية.
أما المعارضة الحقيقية، فهي التي تحترم الدستور، وتقبل بنتائج الانتخابات، وتُقدم البدائل من داخل الدولة وليس من خارجها.
العراق اليوم بحاجة إلى معارضة ناضجة تُصحح الأخطاء، لا إلى أصوات مشروخة تُعيدنا إلى الوراء.
وبقدر ما يتطور الوعي الشعبي، يصبح من الصعب جدًا أن يُخدع المواطن بشعارات الماضي أو بوعود من لا يعرف العراق إلا من شاشات الفضائيات.
ضياء ابو معارج الدراجي