الأحد - 27 ابريل 2025

الجهات المساندة للمفاوضات: قراءة تحليلية في الأدوار غير المباشرة..بوصلة المواقف..!

منذ أسبوعين
الأحد - 27 ابريل 2025

جليل هاشم البكاء ||

 

مقدمة

في ظل تصاعد الأزمات السياسية والعسكرية في المنطقة، تبرز المفاوضات كأداة حيوية لتفادي الصدامات المباشرة وتحقيق نوع من التوازن الاستراتيجي.

غير أن هذه المفاوضات لا تجري بمعزل عن البيئة المحيطة بها، بل تتأثر بجملة من الجهات غير المباشرة التي تساهم في تشكيل الأجواء السياسية والنفسية حولها. في هذا السياق، تستدعي الحالة الإيرانية ـ الأمريكية الراهنة تحليلاً معمقًا لفهم طبيعة هذه الجهات ودورها في دعم أو توجيه مسار التفاوض.

أولًا: التحليلات السياسية ومراكز الدراسات

تُعد مراكز البحوث والدراسات السياسية من أبرز الجهات المساندة للمفاوضات، رغم عدم مشاركتها المباشرة فيها. فهي تعمل على إنتاج خطاب سياسي موجه، يساهم في خلق قناعة عامة أو مؤسساتية بجدوى التفاوض أو بضرورته.

كما تلعب التوصيات الصادرة عنها دورًا في تغذية القرار السياسي، لاسيما في الدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتمد بشكل كبير على الأبحاث الاستراتيجية لتبرير تحركاتها أو صياغة مواقفها.

ثانيًا: دور الجهات المعارضة

رغم أن الجهات المعارضة غالبًا ما توصف بأنها تعرقل المسار التفاوضي، إلا أنها من زاوية أخرى تمثل أحد أشكال الضغط غير المباشر الذي يمكن استثماره.

فهي ترفع من سقف الخطاب السياسي، مما يمنح الجهات الرسمية مساحة أكبر للمناورة والتراجع عن مواقف متطرفة دون خسارة كبيرة في الرصيد السياسي. كما أن خطاب المعارضة قد يُستخدم لتبرير الدخول في المفاوضات بحجة احتواء التصعيد أو تقديم بديل عقلاني عن الخيار العسكري.

ثالثًا: الدور الأمريكي واحتياجه للمساندة

الولايات المتحدة، بوصفها لاعبًا رئيسيًا في المنطقة، لا تدخل أي مفاوضات دون دعم واضح من البيئة السياسية والإعلامية المحيطة بها.

إذ تحتاج واشنطن إلى مساندة متعددة المستويات؛ إعلامية، فكرية، وتحليلية، لكي تبرر خياراتها أمام الرأي العام المحلي والدولي. كما تستعين باتصالات مع دول حليفة تهدف إلى إعطاء المفاوضات طابعًا جماعيًا أو إقليميًا، ما يضمن توزيع المسؤوليات والمكاسب والخسائر المحتملة.

رابعًا: اتصالات الدول الحليفة للمحور الأمريكي

تلعب بعض الدول المرتبطة بالمحور الأمريكي دورًا غير مباشر في دعم المفاوضات من خلال القيام باتصالات دبلوماسية، ظاهرها النصح والمشورة، وباطنها محاولة توجيه الطرف الآخر نحو مسار تفاوضي يخدم مصالح هذه الدول ويعزز مكانتها كوسيط أو شريك في الاتفاق. وغالبًا ما تستند هذه الدول إلى قراءات تحليلية لخطاب الطرف الآخر، وتحاول تفكيك مواقفه عبر رسائل ناعمة لكنها مضغوطة سياسيًا.

خامسًا: الوعي الإيراني وذكاء التوظيف السياسي

يمتاز الجانب الإيراني بقدرة عالية على قراءة ما بين السطور، وفهم الرسائل غير المباشرة، وتوظيفها بما يخدم خطابه السياسي.

فقد أثبتت التجربة أن إيران تتقن التعامل مع محاولات الضغط غير المباشر، ولا تنخدع بسهولة بخطابات العزلة أو التهديد. بل إنها غالبًا ما تحول هذه الخطابات إلى أدوات تضامن داخلية وخارجية، وتستخدمها لتقوية موقفها التفاوضي.

سادسًا: وهم التبعية ومحور المقاومة

من بين أدوات الضغط السياسي والنفسي المستخدمة ضد إيران، الزعم بأن جلوسها إلى طاولة المفاوضات يمثل تخليًا عن محور المقاومة. وهذا طرح مردود عليه، إذ أن المفاوضات تتعلق بالشأن الإيراني الداخلي ولا تمس استقلالية قوى المقاومة، التي هي بطبيعتها تحالفات استراتيجية لا تتبع بالضرورة لإيران، وإن كانت تتقاطع معها في الرؤية والمصالح. الترويج لهذا التصور إنما هو محاولة لتفكيك الجبهة المعادية للهيمنة الأمريكية، ويجب التعامل معه بوصفه شبهة وهمية لا أكثر.

الخلاصة … إن الجهات المساندة للمفاوضات تتعدد في أشكالها ومستوياتها، وقد تكون جهات بحثية، إعلامية، أو حتى معارضة سياسية.

كما أن البيئة الدولية تلعب دورًا في توجيه هذه المفاوضات عبر قنوات غير رسمية، من ضمنها الدول الحليفة والخطابات المبطنة. وفي خضم هذه المعادلة المعقدة، تظل المفاوضات مرهونة بقدرة الأطراف على فهم وتوظيف هذه الجهات لصالح تحقيق الأهداف الإستراتيجية.

وهنا تظهر أهمية الإدراك السياسي العميق والحنكة الدبلوماسية في إدارة هذا المشهد المركب.