العقبات الاستراتيجية في مسار التفاوض النووي بين إيران والولايات المتحدة: قضية مخزون اليورانيوم كنموذج..!
كاظم الطائي/Nor
تشكل مسألة البرنامج النووي الإيراني محورًا معقدًا في العلاقات الدولية، ولا سيما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية. وفي إطار المحادثات غير المباشرة الجارية بين الطرفين، برز مجددًا الخلاف حول مصير مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، وهو ما يهدد بانهيار أي مسار تفاوضي مستقبلي.
1. الإشكالية الجوهرية: مخزون اليورانيوم عالي التخصيب
تُعد قضية نقل مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب إلى دولة ثالثة (مثل روسيا) أحد أبرز العوائق في المفاوضات النووية، حيث تصرّ الولايات المتحدة على هذا الإجراء كضمان لمنع طهران من استخدام هذا المخزون في تطوير برنامج عسكري نووي. في المقابل، ترفض إيران هذا المقترح رفضًا قاطعًا، معتبرة أن الاحتفاظ بالمخزون داخل أراضيها، وتحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يشكل ضمانة استراتيجية في ظل غياب الثقة في الالتزام الأميركي طويل الأمد.
ويستند الموقف الإيراني إلى تجربة الانسحاب الأميركي من اتفاق 2015، خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، ما عزز من مخاوف طهران بشأن جدية الضمانات الغربية.
2. وساطة عمان وديناميات التفاوض
جرت اللقاءات الأولية غير المباشرة في مسقط، حيث لعبت سلطنة عمان دور الوسيط التقليدي بين الطرفين. وتمت لقاءات محدودة بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، في سياق تفاوض أولي يتسم بالحذر الشديد من الطرفين. ويُلاحظ أن هذا النمط من التفاوض يندرج ضمن ما يُعرف بالدبلوماسية السرية أو “النافذة الخلفية”، والتي تُستخدم عادةً لتهيئة الظروف قبل الانتقال إلى مفاوضات علنية أكثر شمولًا.
3. التوازنات الأوروبية والتغير في مواقع الفاعلين
التحول اللافت في هذه الجولة التفاوضية يتمثل في قرار رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، استضافة الجولة المقبلة في روما. ويُفهم هذا التحرك ضمن إطار إعادة تموضع بعض القوى الأوروبية خارج نطاق “مجموعة E3” التقليدية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا). إذ تنظر بعض التحليلات إلى إيطاليا على أنها بوابة محتملة لصفقات أو تفاهمات بديلة قد تهم إدارة ترامب سياسيًا واقتصاديًا.
هذا التحول يعكس كذلك تراجعًا نسبيًا في وحدة الموقف الأوروبي، خاصة في ظل ما تعانيه دول الاتحاد من ضغوط اقتصادية وتوترات سياسية داخلية، مما يجعلها أكثر ميلاً إلى تبني سياسات واقعية قد تسمح بتفاهمات اقتصادية مع إيران.
4. البُعد الاقتصادي في القرار الإيراني
من العوامل التي تدفع إيران نحو التمسك بمواقفها التفاوضية، الوضع الاقتصادي المتدهور بفعل العقوبات الغربية. إذ تحاول طهران تخفيف تلك العقوبات وجذب استثمارات أجنبية مباشرة كوسيلة إنقاذ اقتصادي، وهو ما يُفسر حرصها على توفير بيئة تفاوضية تؤسس لثقة اقتصادية مستقبلية، بما في ذلك البحث عن صيغ تأمين قانونية للاستثمارات في حال تكرار الانسحاب الأميركي.
5. احتمالية التصعيد العسكري وتبعاته الجيوسياسية
في المقابل، فإن التلويح الأميركي بالخيار العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية يُعد عامل ضغط مستمر، لكنه محفوف بالمخاطر. فاندلاع مواجهة عسكرية بين الطرفين قد يؤدي إلى أزمة إقليمية ودولية شاملة. ومن المتوقع أن ترد إيران بشكل مباشر على أي استهداف لمواقعها النووية، مما سيدخل المنطقة في حالة من التصعيد المتبادل قد لا تكون قابلة للاحتواء.
ولا يمكن إغفال أن هذه الحرب، إذا ما اندلعت، ستكون لها انعكاسات كارثية على المستوى العالمي، ليس فقط في الجوانب الأمنية، بل في الاستقرار الاقتصادي وسلاسل التوريد وأسواق الطاقة، وهو ما تدركه واشنطن جيدًا.
6. التقدير المستقبلي للموقف الأميركي والأوروبي
تبدو الولايات المتحدة مدركة بأن أي مواجهة عسكرية ستكون لها كلفة باهظة عليها، خاصة في ظل ما تعانيه داخليًا من أزمات اقتصادية متصاعدة، وتنامي نفوذ الصين والهند على الصعيد العالمي. كما أن أوروبا، في ظل أزماتها الهيكلية، لم تعد شريكًا يمكن الركون إليه في إدارة ملفات معقدة، ما يجعلها تميل إلى تبني تسويات براغماتية مع إيران، خصوصًا في الملفات الاقتصادية والاستثمارية.
بالتالي في ضوء ما سبق،
يمكن القول إن مستقبل المفاوضات النووية مرهون بحل إشكالية مخزون اليورانيوم الإيراني، التي تمثل عصب التوتر بين الطرفين. كما أن التوازنات الدولية المتغيرة تلعب دورًا أساسيًا في إعادة تشكيل مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين تجاه إيران، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي.