الجمعة - 16 مايو 2025

“الحوكمة” نظام تنظيم وإدارة بنيناه منذ 1440 عام..!

الجمعة - 16 مايو 2025

عمار محمد طيب العراقي ||

 

الحوكمة”، مفردة لها بريقها الأخاذ؛ في إدارة الأنشطة والفعاليات، وهي مجموعة من القوانين والأنظمة والقواعد والإجراءات؛ تهدف إلى تحقيق “جودة وتميز” في الأداء، باختيار الأساليب السليمة الفعّالة، لإدارة المنظمات وتحقيق أهدافها.

لماذا أخذت هذه المفردة مستوى عال من البريق؟!

أعمال اليوم لم تعد كأعمال الأمس، فلم يعد المشتغل يعمل بمقاييس بسيطة ليست متزاحمة، فالأعمال أتسعت وصارت “تخصصات” متعددة، تتصادم بالتنفيذ مع بعضها، لذلك باتت بحاجة الى توصيفات مناسبة؛ تتلائم مع هذا الإتساع الكبير، وتضبط بذلك معاييرها ومدخلاتها ومخرجاتها، وبات التوصيف الدقيق ضروري جدا، ليس لسعة الأعمال والواجبات، بل لرأب المشكلات التي تحدث أثناء التنفيذ؛ والتزاحم على الأوليات، في المدخل والمخرج، وللتخلص من مشكلات الوقت والإنجاز، وللوصول الى أفضل التمامات.
في التفاصيل؛ تحتاج المؤسسات الى سلسلة طويلة، مواد وأجهزة ومعدات، مبيعت ومخازن، إعلام.. ووو.. وكلها بحاجة الى “تنظيم وإدارة”، لتحنب الإنزلاق نحو الفوضى، وللتخلص من التزاحم على الأولويات، ولفك الإشتباكات المؤذية للحصيلة..

الخلاصة هي أن “عدم” ترتيب بناءات المشاغل، سيؤدي الى تداخل مسؤولياتها لتحقيق الأهداف، بغية تنظيم أدوار تلك الأقسام مع بعضها، ولتقليل الفجوة بينهم، وهذا هو دور “الحوكمة” بالضبط.

باختصار، “الحوكمة” تعني “تضبيط” الأمور؛ للتحكم في العلاقات بين أطراف أساسية، في ميادين التشغيل، للوضول الى أفضل حالات تنظيم العمل؛ وتحديد المسؤوليات لتحقيق الأهداف على المدى الطويل.

ثمة مسارات توصلنا الى افضل المعايير، لكنها تتطلب إبتداءا وضع قواعد ومبادئ، لإدارة المشاغل والمؤسسات والرقابة عليها، بتحقيق العدالة والشفافية وحق المساءلة، وحماية حقوق أصحاب المصلحة، وتوزيع الأدوار والمسؤوليات عبر هياكل تنظيمية “مُحكّمة”.

ما يزال التفكير في قصة “الحوكمة”؛ بحاجة الى تفصيلات في أصل العبارة وأستخدامانها الأولى..

أصل مصطلح “الحوكمة”.. ظهورها عام 1976 في الجريدة الرسمية الأميركية، وتناولت هيئة الأوراق والأسواق المالية الأميركية، قضية “حوكمة” الشركات وجعلتها ضمن أولوياتها؛ بعد سنوات من إفلاس شركة النقل؛ على الرغم من النجاحات التي حققتها، لكن هيئة الأوراق والأسواق المالية الأميركية، فرضت إجراءات قانونية، بحق المدراء بسبب تقديمهم بيانات مضللة، ومعهم مجموعة من المدراء لخرقهم القواعد المهنية..

كلمة “الحوكمة” هي “الفعل” اليوناني الذي يعني “توجيه”، وقد استخدمه أفلاطون أول مرة مجازيا، ثم انتقلت المفردة إلى اللاتينية ولغات أخرى؛ لكن الحاجة إلى استخدامها بسعة ظهرت في التسعينيات، عقب الأزمات الاقتصادية المعروفة، وعقب تعرض الشركات لمشاكل مادية، ما دفعها إلى استخدام قواعد “الحوكمة” لإنقاذها.

“صفات الحوكمة” بعنوانها الواسع العام؛ تعني “مبادئ” أساسية مهمة، “تحكم” مسارها كوسيلة إدارة وتنفيذ؛ ومتابعة وقولبة للأعمال والأفعال.
مسارات الحوكمة واساسياتها كثيرة ومتنوعة، لكن الحاكم منها هنا:

الشفافية: يتعين دائما وللمهتمين بالتخطيط والقولبة والتنفيذ وجني المكاسب، توضيح أسباب اتخاذ القرارات الأساسية، وفقا لمعطيات محسوبة بدقة.
– المسؤولية: إذ ينبغي على كل معني بالواجب، أو مسؤول تخطيط ومتابعة ورقابة، أن يعرف باحترافية ومهنية عالية؛ تفاصيل ما عليه أن يفعله.
– المحاسبة: لوضع المعنيين بالواجب في موضع المساءلة والمحاسبة، عن الأخطاء المرتكبة والوقوف على سبل المعالجة.
– العدالة: على كل المنشغلين بمهام النشاط، أن يكونوا متساوين تماما، بالمسائلة أمام الجهة الأعلى.

“الحوكمة” بنائيا؛ تعني الإدارة الرشيدة؛ بوسائل وأدوات علمية عملية منظمة، مرادفة لمفهوم المأسسة، وتأتي ضمن مصطلحات أخرى، كالمسؤولية الاجتماعية، والخصخصة، انسجاما مع مصطلحات إطار نظام العولمة..وهذا وجه آخر يبتغي معاينة آثاره البنائية المعقدة، التي تحتاج رقابة استخدامية، خشية التوجهات العلمانية.

أزمة المال والاقتصاد الكبرى عام 2008، ليس من أسبابها غياب أنظمة “حوكمة” جيدة، إنما الممارسة السليمة هي التي عابت، حيث تراجع الشفافية والوضوح؛ في التعامل والمساواة بالفرص، وساد عدم القدرة على التوفيق والتوازن، بين أصحاب المصالح المتعارضة.

إسلاميا لسنا بعيدين عن ها المصطلح، حيث تظهر أسس ومعالم نظام “الحوكمة”، في الحضارة الإسلامية، من خلال الأسس التي تقوم عليها “العقود”، وفقاً للشريعة الإسلامية السمحاء.

العدالة تعد من الأسس التي تقوم عليها “العقود” في الشريعة الإسلامية، وهذا ما نجده في عديد من آيات القرآن الكريم .. ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان”. سورة النحل – الآية 90، و: “يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط ..”. النساء – الآية 135 .

تشترط القواعد الشرعية الإسلامية؛ تحديد المسؤولية المقررة على كل فريق عمل بدقة، وتحث على أدائها بصدق وأمانة، وتتم مسألة كل فريق عن أداء التزاماته ومدى وفاءه بها، ومحاسبة كل من يخل بالأداء بالتزاماته بالجزاء، سواء الإداري أو القضائي، وبالجزاء من الله عز وجل.
شكرا
25/4/2025