الجمعة - 16 مايو 2025
منذ 3 أسابيع
الجمعة - 16 مايو 2025

الشيخ مازن الولائي ||

 

بعد أن بدأ العدو الصهيوني بقصف مناطق الجنوب اللبناني مستهدفا بيئة المقاومة وبيوتها الأمنية بدأت رحلة النزوح إلى بيروت وبعض المناطق البعيدة بحكم المعاهدات ولو الشكلية عن القصف كانت عائلة “الشهيد ماهر الطيف” من ضمن من توجهت إلى مناطق المسيحيين.

وفور وصولها ليلا وجدوا أحد المسيحيين وجماعته ممن كانت مهمته تسهيل أمور بعض العوائل الشيعية المقاومة والتي يشعر من واجبه رد الدين الذي في رقبته لأحد الأبطال الذين أستشهد لاحقا حيث كان معه في الجامعة الطبية وقد تعلّم هذا الشاب المسيحي الطبيب من صديقه الشهيد على مدار دراسة الطب الكثير جدا من المفاهيم والقيم حيث كانا يعقدان في وقت فراغهم الحوارات والندوات،

سياحة في الرؤية الكونية وأصل الخلق وحوار الحضارات وأخبار آخر الزمان وهكذا، مؤثر صديقه الشهيد فيه كثيرا جدا.

فقرر رد الجميل وحلاوة الصحبة بأن يستقبل أكبر عدد من أهل الجنوب المقاوم. فارسل عائلة الشهيد ماهر المؤلفة من ام وابنتين وشاب في أول كلية الهندسة، إلى بيت مطل على كنسية أنيقة وفيها حديقة غناء، غرفتهم صار شباكها مطلاً على حديقة الكنسية وافرة الشجر والورود وزقزقة البلابل شدية الصوت خاصة في وقت الصباح..

ابن الشهيد ماهر متعلق جدا في قراءة القرآن الكريم وأدعية أهل البيت عليهم السلام، وفي صوته مسحة حزن شجية يرقّ قلب كل من يسمعها، وكيف لا وهو ابن كشافة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف منذ أول ابتدائي، الغرفة بالكاد تكفي لهذه العائلة.

فصار ينزل كلما شعر بالرغبة لقراءة القرآن الكريم، ينزل لحديقة الكنسية التي تتدلى قناديل انوارها الجميلة على الحديقة، فيجلس فجرا يأخذ سجادة الصلاة ويبدأ بصوته يرتل القرآن وينسى نفسه حتى يعلو صوته الصافي والخاشع لتسمعه سارا البنت الوحيدة لقس الكنسية والتي تدرس كليلة اللغات،

لتصحو ليلا على صوت يخترج هدوئها من الجانب الآخر للكنسية وعند تتبع الصوت في سكون الليل ومن شرفة البيت في الطابق العلوي المطلة على الحديقة ترى شابا يرتل القرآن بصوت صعب أن لا تسمعه الجوانح،

اعجبتها تلك الحركة خاصة وهي تعرف في اليوم التالي أن هذه العائلة من عوائل الجنوب الابي المقاوم.

تكرر المشهد عند الفجر وتكرر استيقاظها وسماعها برغبة ما يتلوه ذلك الشاب الذي يغمس روحه بكلمات القرآن والدعاء، حتى اجبرها الموقف أن تخبر اباها على ما تراه وتسمعه وهي منبهرة من صدق اللهجة وطلاوة الكلمات وحرص الشاب على أداء الصلاة في قلب الفجر الذي يعتبر ذروة الرغبة في الخلود إلى النوم..

أمر دفع البنت الى الذهاب الى المكتبة وأخذ نسخة من القرآن الكريم لترى عن قرب تأثير هذه الكلمات في جوانحها، وفعلا جاء مساء الليلة الثامنة، وكانت ليلة الجمعة حيث الشاب على موعد مع “دعاء كميل” معشوق المجاهدين وانشودة روح العارفين،

ومن أول شروع الشاب بالقراءة وهي تشعر بانتقاله إلى عالم آخر هو الآخر جميل وثري وعميق، وبعد شوط من قراءة الدعاء وجدت نفسها تبكي على بكاء الشاب الذي امتزجت مشاعره مع الكلمات والخشوع يلف جوانه والتناهيد الشجية تبعث في قلب سارا ألف سؤال وسؤال!

كيف لمثل هذا الشاب النظر والجميل وهو في أول سلم العمر والشباب ينقطع روحيا بهذا الشكل الغريب عنها وعن عقيدتها، حتى أخذت تقارن مقارنة سريعة وتترجم بسرعة عن كل ما كانت تسمعه عن صمود حزب الله وشراسة مقاتليه لتعرف سر ذلك الصمود والعناد والاستبسال والرغبة في الاستشهاد..

لم تصمد سارا طويلا حتى قررت الذهاب للعائلة وإعلان ترحيبها العملي وهي تحمل باقة من الزهور وبعض الحلوى، وحين رؤيتها تفاصيل العائلة وحجابها والالتزام قررت في نفسها إتخاذ قرار مناقشة “عقيدتها” وكيف أنها ابنت قس ولا تشعر بربع ما يشعر به الشاب في محراب عبادته اناء الليل وأطراف النهار..

نعم أخلاق تلك العائلة الجنوبية وطبيعة عيشهم الشرعي كانا رسول طرق باب سارا وهي بينت الدير والتعاليم المسيحية لتركب طريق البحث ومطاردة الدليل رغبة منها في إيقاظ روح العقيدة بعيدا عن ظواهر أصبحت حجبا عن جمال الله وجلاله ..

القصة هي أحد أنواع الفن الذي يؤكد عليه القائد الولي الخامنائي المفدى، لما لها من تأثير وسحر آخاذ على روح وقلب الإنسان وهي أحد وأهم أنواع جهاد التبيين..