الجمعة - 09 مايو 2025

جواهر عَلَويَّةٌ: مَنْ طَلَبَ الدُّنْيا بِعَمَلِ الآخِرَةِ كانَ أَبْعَدَ لَهُ مِمّا طَلَبَ..!

منذ أسبوعين
الجمعة - 09 مايو 2025

السيد بلال وهبي ـ لبنان ||

 

📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ طَلَبَ الدُّنْيا بِعَمَلِ الآخِرَةِ كانَ أَبْعَدَ لَهُ مِمّا طَلَبَ”

تتجلّى هذه الجوهرة الكريمة في أنّ من يسعى للحصول على الدنيا مستخدماً عمله للآخرة يفقد مقصوده، فالذي يطلب الدنيا بالآخرة فإنه يطلب الزائل بالدائم، والقليل بالكثير، والفاني بالباقي، فالدنيا زائلة، والآخرة باقية، والدنيا قليل والآخرة كثير، والدنيا فانية، والآخرة باقية، وليس من العقل في شيء أن يطلب المرء الفاني بالباقي،

قال تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿96﴾ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿النحل: 97﴾.

فما عندنا ينفد ولو كان ملء الأرض والسماء، وما عند الله باقٍ دائم، فالذين يعملون من الجنسين، الذكور والإناث ابتغاء وجه الله وطاعة له يطلبون بذلك الآخرة، يجزيهم الله حياة طيِّبة في هذه الأرض، في الدنيا، والحياة الطيِّبة في الدنيا لا تُنْقِص من الأجر الحَسَنِ في الآخرة، بل يكون الأجر هناك مضاعفاً، والجزاء فوق ما يخطر في بالهم، وبهذا يكسبون الدنيا ويكسبون الآخرة، فهم رابحون رابحون، أما أولئك الذين يطلبون الدنيا بالآخرة، فهم خاسرون خاسرون، إذ لا الدنيا تأتيهم كما يشتهون، ولا الآخرة ينالون منها ما يبتغون، لأنهم لم يعلموا لها،

قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴿النساء: 134﴾.

ومن أهم مصاديق طلب الدنيا بالآخرة أن يطلب الإنسان الدُّنيا بالدين، أي أن يجعل الدين وسيلة للارتزاق أو وسيلة لبلوغ مكانة اجتماعية يطمح إليها، كذاك الذي يطلب العلم الديني لا بهدف التعلم والتفقه في الدين، بل ليحظى بمكانة اجتماعية مرموقة، أو ذاك الذي يتعبَّد لله رياءً طلباً للشهرة والسُّمعة، أو ذاك الذي يقيم الشعائر الدينية ليجمع الناس حوله،

وقد نبَّه الإمام أمير المؤمنين (ع) من هذا الصنف في كلام له مع صاحبه كميل بن زياد فقال:

“هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً! بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً، غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ”

إنّ السَّعي في طلب المكاسب الدنيوية بصبغة العبادة والأعمال الصالحة، وإظهار الخشوع الزائف، يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ تتشتّت النية بين غايتين متضادتين فتُهمل واحدة، أو تضيعان معاً، فتصبح الأعمال بلا بركة، وينقضي العمر سريعاً فيواجه المرء مصيره بعد الموت فقيراً من العمل الصالح، فتكون عاقبته الخسران، إذ لا الدنيا نالها كما يشتهي ولا الآخرة عمل لها كما يجب،

ولذلك جاء في الحديث الشريف: “مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ” والمراد من حُبِّ الدنيا تقديمها على الآخرة، وإيلاؤها الأولوية عليها، فإن الدنيا قد خُلِقَت للآخرة، ولم تُخْلَق الآخرة للدنيا، فكيف تكون للدنيا الأولوية على الآخرة في الاهتمام؟!، والدنيا وسيلة والآخرة هي الغاية، فكيف تكون الآخرة هي الوسيلة والغاية هي الدنيا؟!

جاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: “مَنْ عَرَضَتْ لَهُ دُنْيا وآخِرَةٌ، فاختارَ الدُّنْيا عَلَى الآخِرَةِ لَقِيَ اللَّهَ عَزّ وَجَلَّ ولَيسَتْ لَهُ حَسَنةٌ تُتَّقى‏ بِهَا النّارُ، ومَنْ أَخَذَ الآخِرَةَ وتَرَكَ الدُّنْيا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُوَ راضٍ عَنْهُ”.

وجاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “إِنْ جَعَلتَ دِينَكَ تَبَعاً لدُنياكَ أَهْلَكْتَ دِيْنَكَ ودُنْياكَ، وكُنْتَ في الآخرةِ مِنَ الخاسِرينَ، وإِنْ جَعَلْتَ دُنْياكَ تَبَعاً لِدِيْنِكَ أَحْرَزْتَ دِيْنَكَ ودُنْياكَ، وكُنْتَ في الآخِرَةِ مِنَ الفَائِزيْنَ”.

نستنتج مما سبق: ضرورة جعل الدنيا وسيلة للفوز بالآخرة، وذلك يقتضي أن تكون الأولوية للآخرة مطلقاً، ولا يمنع ذلك من طلب الدنيا في طول الآخرة، بل يعني أن يوازن المرء بين طلب الدنيا وطلب الآخرة، وقد سبق أن ذكرنا أن كل طلب للدنيا في طول الآخرة هو طلب أخروي وعبادة لله تعالى،

فقد رُوِيَ عن الإمام موسى الكاظم (ع) أنه قال: “إجعَلوا لِأنفُسِكُم حظّاً مِن الدُّنيا بِإعطائها ما تَشتَهي مِن الحلالِ وما لا يَثلِمُ المُروّةَ وما لا سَرَفَ فيهِ، واستَعِينوا بذلكَ على‏ اُمورِ الدِّينِ ، فإنّهُ رُوِيَ: ليسَ مِنّا مَن تَرَكَ دُنياهُ لدِينِهِ ، أو تَرَكَ دِينَهُ لِدُنياهُ”.

فجر يوم الأحد الواقع في: 27/4/2025 الساعة (04:41)