الجمعة - 16 مايو 2025

راية الخلود بين يدي زينب (عليها السلام)..رمزية العلم والخوف الأبدي من بطلة كربلاء..!

منذ 3 أسابيع
الجمعة - 16 مايو 2025

أحمد العسكري ||

منذ أقدم الأزمنة، كان العلم رمز الهوية، وعنوان الوجود، ودليل البقاء، أما راية الثأر عند العرب فكانت نداء الدم المراق ظلمًا، وإشارةً إلى أن السيف لم يُغمد، وأن الثأر دَينٌ معلق برقاب الأحياء.

العَلَم عنوان الدولة، والراية نداء الدم، وكل منهما سفيرٌ لموقف أمة، ونبض شعب، ورسالة خالدة عبر الزمن.

حين رفع الإمام الحسين (عليه السلام) علمه يوم عاشوراء، لم يكن مجرد قطعة قماشٍ تخفق فوق الرمال، بل كان راية قضيته، قضية الأنبياء جميعًا في مواجهة الطغيان.
وحين سقط الجسد الشريف على رمضاء كربلاء، لم تسقط الراية، بل ارتفعت في يد امرأةٍ عظيمة، كانت قد خُلقت للشدائد

زينب (عليها السلام)، بنت أمير المؤمنين (عليه السلام)، يدٌ مضرجة بالحزن، لكنها ثابتة كالطود، حملت راية الثورة حين تحمّلت عبء المسؤولية، وصنعت من المأساة صرخة مدوية عبر العصور.

زينب (عليها السلام) لم تكن رهينة واقع مفروض، بل كانت صانعة واقع جديد.
وحين سيقت أسيرةً إلى الشام، حملت بين ضلوعها علم الثورة، وغرست في طرقات الأسر أشجار الكرامة
وفي مجلس الطاغية يزيد، وقفت شامخة، تفضح الظلم بكلمات أزلية، زلزلت بها عروش الجبت والطاغوت.

قالت له والكون كله يسمع:
“كِد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا”
إنهم، أحفاد الأمويين، ورثة الذل والهزيمة، كانوا يعلمون أن زينب (عليها السلام) وحدها كانت أمةً كاملة، وأسطورةً لا تحدها حدود القصور ولا تفتك بها سيوف الطغاة.
واليوم، وبعد أكثر من ألف عام، ما زالوا يخافون من اسمها، ومن قبرها، ومن رايتها.

ولهذا تحرّك الدواعش الجدد، بقيادة أحمد الشرع، الملقب بالجولاني، لإنزال رايتها المباركة من فوق مرقدها في ريف دمشق.
بكل جبنهم الموروث، أنزلوا علمًا ظنوه مجرد قطعة قماش، ولم يدركوا أنهم أنزلوا مرآة رعبهم من روح لا تُقهر.
يظنون أنهم تركوا القبة فارغة، عارية من أية راية بديلة

لكنهم يجهلون ان هذا الفراغ كان أبلغ من أي علم أسود أرادوا رفعه فهم بفعلتهم هذه لم يسقطوا علم زينب (عليها السلام)، بل أسقطوا أنفسهم، ولم ينزلوا رايتها، بل كشفوا خوفهم المتوارث منذ كربلاء وحتى يومنا هذا.

إن رمزية إنزال راية السيدة زينب (عليها السلام) لم تكن فعلاً ماديًا عابرًا، بل كانت محاولة بائسة لطمس التاريخ، وإسكات صوت المقاومة الذي لا يزال يطرق ضمائر الأحرار.

لكن تسليم الراية لم يكن يومًا على القباب وحدها، بل في القلوب، في الأرواح، في دماء المؤمنين بالحق الذين لا يساومون ولا يخونون.
حين أنزلوا الراية، ظنوا أنهم انتصروا، ولكنهم، في الحقيقة، اعترفوا بالهزيمة.
كلما مدوا أيديهم الخائنة، عرّوا ضعفهم.

كلما تطاولوا على رموز الطهر، ارتفع ذكر زينب (عليها السلام) في العالمين.
وكلما أرادوا أن يطفئوا نورها، ازداد إشعاعًا في القلوب. إن إنزال راية زينب (عليها السلام) لم يُسكت التاريخ، بل فجّر في الأرواح إصرارًا جديدًا أن تبقى كربلاء حيّةً أبدًا، وزينب (عليها السلام) شامخةً لا تنحني، وصوت آل محمد (صلى الله عليه وآله) صادحًا فوق كل قباب الأرض، زينب (عليها السلام) لم تكن تحتاج إلى علمٍ مرفوع فوق قبتها لتُعرف.

كانت هي بنفسها العلم.
كانت هي الراية.
كانت هي الكلمة الباقية التي لم تسقط منذ وقفت في مجلس الطغاة وقالت:
“أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء أن بنا على الله هوانًا وبك عليه كرامة؟”

لقد أرادوا أن يسقطوا علَمًا، فارتفعت رايات.
أرادوا أن يُسكتوا صرخةً، فتعالى النداء.
أرادوا أن يطمسوا ذكرى، فازدادت خلودًا.

وسيظل التاريخ يكتب، والحرائر يتعلمن، والثائرون يتوارثون، أن في كربلاء صرخةً لا تموت، وفي الشام امرأةً لم ولن تهزمها قلاع الجور، وفي قلوب الأحرار رايةً كتب عليها:
“فوالله لا تمحو ذكرنا”