السبت - 07 يونيو 2025

📘 من الداخل تبدأ الثورة: نظرية التغيير عند علي بن أبي طالب (عليه السلام)..!

منذ 14 ساعة
السبت - 07 يونيو 2025

د. عامر الطائي ||

 

 

في فكر الإمام علي عليه السلام، لا يمكن أن تنهض أمةٌ أرهقتها ذوات أفرادها. ولا يمكن أن يُصلح مجتمعٌ خارجه، وهو متفسّخٌ في داخله. ولذلك، فإن نظرية التغيير التي يمكن استلهامها من نهج علي، تبدأ من النفس، من الضمير، من العلاقة بين الإنسان ونفسه، ثم بينه وبين ربه، ثم بينه وبين الناس.

قال الإمام في وصيته لمالك الأشتر: “فإنّ الناس صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.” بهذا المنظار، لا يبدأ التغيير بالصراع، بل بالفهم، لا بالحقد، بل بالعدل، لا بإسقاط الآخر، بل ببناء الذات.

وعندما قال عليه السلام:
“ما جاع فقير إلّا بما مُتّع به غنيّ.”

فقد لخّص بعمق فلسفة الفساد في المجتمعات: السكوت عن الظلم مشاركة فيه، وغفلة الناس عن العدل بداية سقوطهم، وخنوع الفقير لا يُبريء الغني من جريمته، بل يدينه أكثر. إنّ التغيير، بحسب هذه الرؤية، ليس لحظة غضب، بل مسار وعي. هو أن ترى الخلل في داخلك قبل أن تصرخ في وجه الواقع.

أن تعترف أنك ساهمت في تكلّس المجتمع بصمتك، وساهمت في فساد السلطة بتبريرك، وساهمت في موت القيم بتأجيلك. نظرية علي بن أبي طالب عليه السلام في التغيير هي في جوهرها مشروع تربية قبل أن تكون مشروع سلطة.

هو القائد الذي بكى على فقراء العراق وقال: “أأبيت مبطانًا وحولي بطونٌ غرثى؟”فهل ننتظر منهجًا أصدق من هذا؟

وفي زمننا، علينا أن نفهم أن الثورة تبدأ حين نرفض الصمت على أنفسنا.
حين نصلح تفكيرنا، ونعيد ترتيب أولوياتنا، ونقف بشجاعة أمام مرآة القلب.

لا تغيير بلا أخلاق، ولا إصلاح بلا عدالة داخلية، ولا عدالة بلا شجاعة معرفية.

فليكن أول من نثور عليه هو الكسل عن التغيير، وأول ما نكسر هو صنم الأعذار،
ولنبدأ، كما قال الإمام، من حيث يشتدّ الألم: من مناطق سكوتنا الطويل.