بحث تحليلي: العلاقات الإيرانية – الأمريكية..!
إعداد: ضياء أبو معارج الدراجي ||
12 حزيران 2025
المقدمة
تعود العلاقات بين إيران والولايات المتحدة إلى نمطها التقليدي المأزوم، حيث تتشابك الأبعاد النووية والسياسية والعسكرية، وتتكشف مرة أخرى أساليب واشنطن في محاولة فرض الإرادة على إيران، بينما تواصل طهران الدفاع عن سيادتها الوطنية ومكتسباتها الاستراتيجية بطرق متزنة ومحسوبة.
المحور الأول: الملف النووي – صراع الإرادات
في الأيام الأخيرة، رفضت إيران اقتراحًا أمريكيًا جديدًا نصّ على:
1-وقف كامل لتخصيب اليورانيوم،
2-تفكيك أجهزة الطرد المركزي،
3-نقل معدات البرنامج النووي إلى خارج البلاد.
الرد الإيراني كان واضحًا: “هذا العرض لا يمكن البدء به أصلاً”، وفق تصريحات من داخل لجنة الأمن القومي الإيرانية. إيران تؤكد أن هذه المطالب “تعيد عقارب الساعة إلى ما قبل الاتفاق النووي لعام 2015″، وهو ما لم يعد ممكنًا بعد انسحاب ترامب وتخلي واشنطن عن التزاماتها.
في المقابل، أظهر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران باتت تمتلك 408.6 كغم من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، ما يؤهلها تقنيًا للوصول إلى العتبة النووية، لكن القيادة الإيرانية ما زالت ترفض صنع قنبلة نووية لأسباب دينية واستراتيجية.
الموقف الإيراني يُظهر اتزانًا لافتًا، حيث تواصل طهران تطوير تقنياتها دون كسر قواعد اللعبة، لكنها لا تخضع للابتزاز السياسي.
المحور الثاني: التحركات الإقليمية والردع العسكري
أعلنت طهران عن صاروخها الجديد “قاسم بصير” بمدى 1200 كم، وقدرته على إصابة أهداف بدون الاعتماد على نظام GPS، ما يعني تفادي التشويش الأمريكي والإسرائيلي. كما كشفت عن حاملة طائرات بدون طيار “الشهيد باقري”، في تطور بحري غير مسبوق في المنطقة.
هذه الإنجازات العسكرية ليست دعائية، بل هي رسائل ردع استراتيجية موجهة لمن يراهن على “ضربة استباقية” ضد إيران. وقد سبقت ذلك تصريحات إيرانية صارمة بأن أي اعتداء على المنشآت النووية سيقابل برد عنيف يشمل القواعد الأمريكية في الخليج.
إيران تنتهج مبدأ الردع المتوازن، مستفيدة من الجغرافيا، والتحالفات الإقليمية، وتطور صناعاتها الدفاعية الذاتية.
المحور الثالث: التصعيد الأمريكي – الانسحاب من بغداد وتحريك القطع البحرية
قامت واشنطن مؤخرًا بسحب موظفين من سفارتها في بغداد والكويت والبحرين. هذا الانسحاب يعكس قلقًا أمريكيًا واضحًا من ردود فعل إيران أو حلفائها في حال وقوع تصعيد مفاجئ.
كما تشير تقارير عسكرية إلى تحريك قطع بحرية أمريكية في الخليج، لكنها لم تقترب من المياه الإقليمية الإيرانية. بينما حذّر قائد الدفاع الجوي الإيراني من أن أي طائرة معادية ستُسقط فور دخولها المجال الإيراني.
المحور الرابع: المسار السياسي والدبلوماسي
عُمان تحاول مجددًا لعب دور الوسيط. إلا أن طهران رفضت الموعد الذي اقترحته واشنطن في 12 حزيران، وطلبت تأجيل اللقاء إلى 15 حزيران، مفضلة أن يتم التنسيق عبر قنوات أكثر ثقة مثل موسكو أو بكين.
الرد الإيراني بهذا الشكل يُفهم على أنه رفض لفكرة التفاوض تحت ضغط الوقت أو الإعلام، وهو أمر دأبت عليه الولايات المتحدة.
الاحتمالات المستقبلية
1. التوصل إلى تفاهم مرحلي (احتمال 40%) قد تعود واشنطن لتقديم تنازلات طفيفة خشية التورط بمواجهة عسكرية و إيران قد توافق على “اتفاق مؤقت” يضمن رفع بعض العقوبات مقابل شفافية محددة
2. استمرار المراوحة وغياب الاتفاق (احتمال 35%) كل طرف ينتظر الآخر ليقدم تنازلات حاسمة وإيران ستعزز قدراتها وتُراكم أوراق القوة بهدوء
3. تصعيد عسكري محدود (احتمال 15%) قد تُشعل إسرائيل أو جهة ثالثة شرارة التوتر وإيران مستعدة للرد، لكن دون انجرار إلى حرب شاملة
4. اتفاق شامل ومفاجئ (احتمال 10%) .
الخلاصة
إيران تدير هذا الصراع بحنكة استراتيجية، حيث توازن بين تطوير قدراتها السيادية وبين الحفاظ على مستوى محسوب من التوتر الذي يمنع أعداءها من التهور.
الولايات المتحدة من جهتها بدأت تفقد زمام المبادرة في منطقة غرب آسيا، خاصة مع التحولات الجيوسياسية ودور الصين وروسيا في احتواء الأحادية الأمريكية.
إن فشل أمريكا في فرض شروطها، ونجاح إيران في فرض معادلة “التفاوض من موقع قوة”، سيكونان من أهم ملامح النظام الإقليمي الجديد بعد 2025.
ضياء ابو معارج الدراجي