الجمعة - 29 مارس 2024

لعبه الحرب

منذ 4 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024



محمد وناس ||

عندما كنا صغار لعبنا لعبة الحرب . رصاصنا عبارة عن اصوات نطلقها في محاكاة لصوت البنادق . وأسلحتنا بقايا اعواد ربطناها بخيوط من قماش بالي لكي تشابه البنادق ..
نمثل دور القتلى فنسقط كما يسقط الموتى في الافلام..
ثم نعيد الكره مره اخرى .
ننتصر حينا . وحينا نهزم .. اهدافنا عبارة عن حجارة او حذاء احد لاعبي الحرب وضع في مكان يمثل نقطة الفوز للمهاجم
ونحسب اشواطا .
وفي اخر النهار المنتصر من احرز اشواطا اكثر .
ثم نعود جميعنا الى بيوتنا .
تستقبلنا امهاتنا .. تعنفنا بشدة او قد تشتكينا للأب والذي بدوره قد يضربنا لأننا وسخنا ملابسنا او مزقناها اثناء لعبة الحرب …..
مجموعه اناشيد نرددها في المدرسة .. وصور من المعركة لا تفارق شاشة التلفزيون . ثم نشرة الاخبار . والتي تبدءا بالبيان الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة . والذي يحمل كل يوم رقم جديد لإعداد الموتى مع مشاهد لرجال يهتفون ويهزجون وهم يحملون اسلحة وبنادق مع دبابات تسير تاركة خلفها سحب من غبار كثيف.
ثقافة الحرب شي اساسي في كل ما يحيط بنا . من لحظه الولادة حتى نهاية حكايتنا والتي هي جزء من ضمن حكايات الحرب بالتأكيد ..
صغارا كنا وفي مدارسنا حصة لتعليم السلاح وكيف نفكك البندقية ونركبها والتسديد والتصويب . والاستعداد والاستراحة .
حتى ملابسنا في المدرسة كانت نظامية , مرقطة باللون الازرق او الصحراوي . ( ملابس طلائع او فتوة ) .
الحرب درسنا .. ثقافتنا . غنائنا واشعارنا . العابنا .
كل شي ….!!!!
كبرنا مع الحرب .. وكل ما نعلمه عنها … انها لعبة تنتهي بحساب الاشواط ونعود جميعا في اخر النهار الى امهاتنا ..
ثم قرر من بيده امرنا ان نلعب لعبة الحرب مرة اخرى …
بلا اشواط .. وبلا اعواد مربوطة بخيوط
نلعبها باسلحه وعتاد حقيقي
نلعبها بلا عودة .
وتستقبلنا الامهات بقايا اشلاء مقطعة .. وبدل لغة التعنيف التي استخدمنها حينما كنا صغار حلت الدموع والعويل ونعاوي تستدر دموع الامهات بالقوه .
ماذا تعني الحرب لام تودع ابنها وهي تعلم انه لن يعود ..
او لصغير يقف بجوار ابيه يطلب منه حين يعود من الحرب ان يشتري له بندقية مثل التي يحملها ابوه .. ولا يعلم ان والده لن يعود .
لشيخ يرى في ابنه كل احلامه التي لم يحققها . بل يراه الامتداد والسبيل لبقائه ، الامل الذي يحمل عنه ثقل الشيخوخه.
ثم ماذا تعني الحرب لنا نحن الصغار بعقولنا الكبار بأجسادنا
الراكضين بالامس بين الازقه وفي ايدينا اعواد مربوطه بقطع قماش لكي تشابه البنادق
اللاعبين في الحقول وبين وبين البساتين نختبىء من بعضنا تاركين احدنا يعد الى الرقم عشره وهو مغمض العينين..
كثير منا لم يغادر مدينته او قريته المعزولة عن العالم سابقا . لا يدرك كيف تسير الاشياء او لما تظهر الشمس من الشرق دائما كل صباح .
وبسذاجة الاطفال بدائنا اول صداقتنا مع الغرباء . في ليلة وضحاها . اصبحنا اصدقاء . نأكل معا . ننام معا . نغني معا اغاني الحرب . فرحين ببدلاتنا العسكريه. وأخيرا قد نموت معا .
ثم اكتشفنا ان هذه الحرب شوط واحد ثم لا نعود .
وان عدنا فبين ايدينا بقايا اشلاء من نحسب انهم اصدقاءنا والذين لا نعلم عنهم شيء فقط اسماء .
وبعض القصص عن الموت
وقد يكون الموت ارحم من ما نراه في الحرب .
وسط زحام الخوف وهدير الحرب …..يسقط بين يديك احدهم .
يعالج انفاسه الاخيرة .
تعرف اسمه او لا تعرفه سواء !!
فهو يعالج الموت بكل ما اوتي من قوة ..
يحاول ان يوصيك !! .
قبل ان يغمض عينيه الى الابد !!!
بأطفاله الصغار … او بأمه العجوز .. !!
او بشيخ انهى عمره منذ سنين . تجاهله ملك الموت في زحمة انشغاله بقطف ارواح المتحاربين على خط الجبهة .
ثم وعن طريق القرعة تكون انت من ينقل جثة صديقك الطارئ هذا الى اهله .
تستقبلك تلك العجوز امه ..
والشيخ الميت مع ايقاف التنفيذ .!!
وأطفال صغار يتعلقون بإطراف ملابسك عائدين من لعبة الحرب التي كانوا يلعبونها بأعوادهم المربوطة بقطع قماش لكي تشبه بنادق الجنود وهم لا يدرون انهم تحولوا الى ايتام .
وسط العويل والدموع و الاهات تفقد السيطرة على مشاعرك لتفسح المجال لدموعك بالانهمار معززة بالنشيج . تحسب نفسك انك تبكي على صديقك المجهول هذا . ثم تكتشف ان كل البكاء والعويل وحتى صراخ النسوة في الحي الذي لم يسبق لك ان دخلته . كلها تندبك انت .
تبكيك .
فأنت القتيل القادم .
هكذا هي الحرب ..
وعندما تطول الحرب لتستهلك العقد الثالث والرابع وحتى الخامس احيانا من عمرك . دون ان تدرك كيف تقدم بك العمر ,.
تتقدم بالعمر وتتأقلم مع مناخ الحرب . وتحسب انك اتقنت تفادي الموت واحترفت فن الحرب . وتحت ضغط الاهل ونزولا عند نزواتك البشرية تسعى للزواج ,.
قد تبحث عن الحب او قد تترك اعراف قريتك تسري ليبحث لك الاخرون عن زوجة . مكتوب عليك ان تقابلها مره كل شهر او شهرين . لتعود في احدى الاجازات فيقول لك الجيران مبروك رزقك الله صبي . . حتى اسم ابنك وضعه غيرك في شهادة ميلاده .
ثم حين تنتهي الحرب وتعود الى بيتك حيا في خطاء لا يتكرر دائما . لتعيش مع ذكرى الموتى من اصدقاءك الطارئين ..
تستفيق وسط الليل وحدك .
تبحث عن مكان منعزل لتبكي فيه وحدك .
تستكشف طرقا جديدة للحوار مع الموتى . فقد اصبحوا رفاق ليلك وندماء وحدتك .
يزوروك حسب رغبتهم . بلا سابق موعد .
يأكلون معك.
ينامون معك
يسيرون معك
يسهرون . ويغنون . ويبكون معك
هكذا هي الحرب .
الم بلا شكوى .
وحزن لا نهاية له .