الخميس - 28 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


خالد الثرواني ||

يعتبر كثير من العراقيين أن السيارة جزء من الكماليات الشخصية؛ أي يعتقدون أن امتلاك سيارة يجعل الشخص في مكانة اجتماعية أعلى مقارنة مع من يستقل وسائط النقل العام أو أي وسيلة لإيصاله الى مبتغاه، حتى ولّد هذا الاعتقاد شوارع مزدحمة وأجواء مليئة بالرصاص والملوثات الاخرى فضلا عن الاضرار النفسية والاقتصادية والصحية.
في بداية العام الحالي أعلن الجهاز المركزي للإحصاء أن “أعداد سيارات القطاع الخاص في العراق بلغت 6 ملايين و709 آلاف و724 سيارة مسجلة لغاية 31 من ديسمبر (كانون الأول) 2018 بما فيها إقليم كردستان”، ولو اضفنا سيارات القطاع الحكومي فقد يبلغ العدد ثمانية ملايين مركبة تطلق دخانها في رئة العراقيين وتستهلك جيوبهم. فلو فرضنا ان كل سيارة تستهلك عشرة ليترات من البنزين فان لكل سيارة خمسة آلاف دينار يومياً، كذلك فان التلوث يعد من الاضرار غير المحسوسة التي تكلف الجانب الصحي ملايين الدولارات بسبب ارتفاع نسبة الرصاص في الاجواء العراقية الى عشرة أضعاف الحد المسموح، بالإضافة الى الضوضاء وخدمات الطرق وغيرها من الأموال المهدورة.
ربّ قائل يقول ما الحل؟ دعونا نسرد أضرار غياب ثقافة النقل العام بل حتى وسائطه مقابل تمسك المواطن بالتنقل بسيارته الشخصية حتى ولو لمئة متر. بل تحولت السيارة الى إحدى ركني الزواج، فالجملة الشائعة بين الامهات في أو الخطوبة وبداية التعارف “عنده بيت وسيارة”، فلا الاخلاق ولا الدين ينظرها لهما قبل السيارة ولعل الاخلاق تتناسب مع حجم السيارة ونوعها والدين يوازي مساحة البيت وموقعه في أدبيات بعض الزواجات العراقية!
بحسابات الارقام لعل كل باص كبير يستطيع الحلول محل خمسين سيارة صالون في الشارع ولك عزيزي القارئ أن تحسب كل من المساحة المشغولة في الشارع لخمسين مركبة وكمية الوقود والاستهلاك في الطريق والمركبة التي بالتي يقابل كل استهلاك فيها تصليح يكلف مئات الدنانير، كذلك الشد النفسي التي تولده الزحامات لدى السائق خصوصا الموظف او الطالب وما يعقب ذلك من أضرار صحية على المدى الطويل، وفي جانب آخر ضياع الوقت المخصص للعمل واستهلاك الجهد.
وبحسابات الارقام أيضاً لو أن كل سيارة تكلّف خمسة آلاف دولار لكم أن تحسبوا كم الأموال من العملة الصعبة التي غادرت البلد لاستيراد السيارات فضلا عن الادوات الاحتياطية، وفي جانب الوقود تكرر مصافي وزارة النفط أكثر من (13) ألف برميل لسدة حاجة العراق فضلا عن الاستيراد من دول الجوار والذي بلغ وفق آخر بيانات وزارة النفط عشرة ملايين ليتر ليكون حجم الاستهلاك (23) مليون برميل ولكم أن تحسبوا.
ولزيادة الطين بلة تصمت الجهات الحكومية المختصمة أمام كارثة أخرى وتفتح أبواب الاستيراد أمامها مشرعة وهي الدراجات النارية بكل اشكالها وأنواعها ليتحول الشارع في الكثير من المدن الى فوضى عارمة مشابهة الى أي مقاطعة هندية فقيرة.
الحلول المطروحة أمام هذا الكم من الخسائر والمشاكل كثيرة لكنها تحتاج الى ارادة حكومية قوية وادارة رشيدة، فاستيراد السيارات دون تخطيط وحدود يهدد بامتلاء الشوارع بالسيارات مقابل بقاء نفس هذه الطرق بالمساحة الصغيرة التي كانت تسع لأقل من مليون مركبة، اذ ينبغي وضع محددات تشمل المتانة ونسبة التلوث وكذلك فرض ضرائب أكثر على المستوردين رغم أن هناك اتهامات من بعض المراقبين لجهات سياسية بالسيطرة على وكالات الشركات العالمية الصانعة للسيارات، وكذلك يجب على مديرية المرور العامة عدم منح لوحة التسجيل مقابل مبلغ مادي وإنما تسقيط مركبة أخرى واعطاء اللوحة مجانا مقابلها.
أما فيما يخص وزارة النقل فعليها وضع شروط لسيارات الاجرة من متانة وتكامل شروط العمل في الشارع، كذلك المنافسة مع القطاع الخاص بنزول باصاتها بمختلف الاحجام وبأسعار مغرية وتحديد مسارات سالكة في أي وقت بكل الشوارع لعجلاتها وتبيان فوائد النقل العام وتثقيف الناس حولها وإلا فأن العراق مقبل بأن يكون لكل مواطن سيارة تراوح مكانها في شارع مزدحم، بعد أن وضع السوء في الادارة والتخطيط سيارة لكل خمسة مواطنين.