الجمعة - 29 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


صبيح المرياني * ||

حضرت في يوم من الايام مجلس عزاء بإحدى المحافظات الجنوبية لأحد الاصدقاء الذي توفي والده وكان يسكن في منطقة ريفية تبعد عشرين كيلومترا عن مركز المحافظة. وصلت للمجلس في التاسعة صباحا لأن تقاليد مجالس العزاء هناك يكون وقتها مفتوحا منذ ساعات الصباح الاولى وحتى وقت قريب من منتصف الليل يستقبلون فيه الضيوف المعزين من الاقارب والاصدقاء.
وما إن جلست في المجلس الذي غص بالحاضرين من الشباب وكبار السن حتى بدأت تتوافد مجاميع المعزين المعروفة ب( العراضة ) وبأشكال متفرقة تشكل كل واحدة منها مجموعة من الشباب الذين يحملون انواع الاسلحة ويدخلون بالقرب من مجلس العزاء مجموعة تلو الاخرى، تنتهي ( عراضة العشيرة الفلانية ) فتأتي العشيرة الفلانية الأخرى ، ويستعرض شبابها بالسلاح والرمي المستمر الى أن تنفد الذخيرة الحية..
وعلى هذا الحال استمر استعراض العشائر بهذه الطريقة والرمي العشوائي حتى وقت أذان الظهر ..خلا ل هذه المدة رأيت وسمعت عددا من المعزين داخل سرادق العزاء يستنكرون هذه السلوكيات ويرفضونها ويصرخون على أهل المتوفي أن يمنعوا اطلاق النار لكن ليس من مجيب لهم …بعدها قادني الفضول لأسال أحد الشباب كان جالسا بالقرب مني وهو من أهل القرية نفسها عن السبب في هذا السلوك الذي قد يؤدي الى قتل او إصابة أحد الموجودين او البعيدين عن مجلس العزاء ؟
والحقيقة اجابني اجابة دقيقة لكنها صدمتني ، قال بما أننا نعيش في مجتمع عشائري وقبلي فإن الصراعات شبه مستمرة بين العشائر في مناطقنا ومجالس العزاء هي فرصة لكل عشيرة تستعرض برجالها وأسلحتها أمام بقية العشائر الاخرى ، وهي بمثابة مناورات عسكرية لتصنع لها هيبة أمام الجميع ، ما يجعل العشائر الاخرى تفكر أكثر من مرة في حال أرادت الاعتداء عليها؟
والحقيقة أن هذا المنطق رغم أنه متعارف عليه لكن في الوقت ذاته هو ليس منطق الانسانية ، فالإنسانية تعني التراحم فيما بيننا والعمل على بث روح التسامح والعفو في المجتمع لا العكس ..
عموما حمدت الله كثيرا حين غادرت مجلس عزاء والد صديقي ولم ترَ عيني أي حادث نتيجة هذا الرمي العشوائي الكثيف ..لكن مازالت وللأسف أتابع منصات الأخبار وهي تتلو على مسامعنا حادث قتل خطأ وقع هنا او هناك نتيجة الرمي العشوائي في المناسبات المختلفة ، وراح ضحيتها الابرياء من المواطنين نتيجة عدم الالتزام بالشرع واحترام القانون من قبل البعض..
وآخرها ما حصل في محافظة المثنى حين قتل شخص وأصيب ثلاثة آخرون بعراضة عشائرية لأحد شيوخ العشائر شرقي السماوة.
أما آن الأوان للطائشين أن ينتبهوا الى طيشهم إلى ماذا يؤدي وكم يزهق أرواحا للمواطنين ؟ وكذلك للقانون أن ينفذ بصرامة بحق هؤلاء ؟ لا أن يكون مجاملا ومسامحا ، فحياة الناس ليست للهدر.
*باحث وإعلامي