الجمعة - 29 مارس 2024

ملف زيارة البابا ( 2 ): من هو المضيف ؟

منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


إيليا إمامي AiliaEmame ||

1. السمة البارزة بشكل واضح لدى آية الله هي حكمته في التعاطي مع الأمور ، وقدرته على ضبط القرار وتحمل أقسى أنواع الضغوط ، وهو ما سمع عنه البابا فرنسيس قبل زيارته ، ولكنه أظهر تأثراً كبيراً بعد الزيارة حيث قال في مؤتمره الصحفي في الطائرة ، خلال رحلة العودة الى روما : ( وجدته رجلاً عظيماً وحكيماً وكان رجل الله ، يمكنك إدراك ذلك بمجرد الاستماع إليه ) ، وهذا كلام رجل يتجاوز عدد أتباعه أكثر من عشرة أضعاف أتباع آية الله ( مقلدوه ) ومع ذلك فقد وقف البابا كالتلميذ أمام معلمه وهو يستمع اليه .
2. تواضع آية الله كان سمة أخرى أشاد بها البابا فقال في مؤتمر العودة : ( كان محترماً جداً في الاجتماع ، وكان متواضعاً لا يتعالى ، وقد نهض لمرتين لأجل تحيتي ) وهو يشير الى القيام الأول لاستقباله ، والقيام الثاني المتعارف في البيوتات النجفية حيث يجلس صاحب المكان متزامناً مع جلوس الضيف ، ثم ينهض مرة أخرى ليقول : صبحكم _ أو مساكم _ الله بالخير ، ويبدو أن هذه الطريقة أثرت في البابا .
3. باستثناء شجرتين وحمامتين تدل على الخضرة والسلام ، فقد حرص آية الله أن تكون الزيارة بسيطة وخالية من التكلف ، و من دون إدخال أي تعديلات في منزله المتواضع الذي يستأجره من عائلة آل شبر النجفية ، ليرسل بذلك رسالة الى العالم _ الذي يراقب _ حول مشاعر المواساة ، و تعاطف القادة الدينيين الحقيقيين مع الشعوب المحرومة ، وتركيزهم على الجانب الروحي والانساني في زمن التنافس المادي ، وهو ما فهمه البابا جيداً وقال في مؤتمر العودة ( هذا اللقاء أفادني روحياً ).
4. يلاحظ المهتمون أن لدى آية الله نمط واضح في تعاطيه مع الإعلام ، فهو يكتفي دوماً بالظهور الإعلامي الأقل ( الذي لابد منه ) مما قاد وفد الفاتيكان التحضيري الذي سبق زيارة البابا الى التفاوض مع مكتب آية الله حول هذا الموضوع ، وطلبوا فتح الباب للأعلام على مصراعيه ، معتبرين زيارة البابا ليست كأي زيارة ، وأنها فرصة لتسليط الضوء على منزل آية الله وتواضعه وتعريف العالم بهذا الرجل الروحاني ، حيث أن الصحفيين المسجلين ضمن رحلة البابا لوحدهم ( 150 صحفي ) ناهيك عن الجيوش الإعلامية المراقبة للحدث ، إلا أن المكتب أصر على عدم الخروج عن النمط السابق ، حتى أن آية الله قد تعمد _ في الفيديو الأول الذي شاهده العالم _ الصمت حتى إنهاء التصوير وخروج الصحفيين .
وفي تقديري أن الرفض المتكرر من قبل آية الله للظهور عبر الإعلام ، مهما كثرت وأختلفت تفسيراته ، يبقى مفهوماً بسيطاً يمكن اختصاره في كلمة واحد ( آية الله من النوع العملي الذي يتصرف وفق مبدأ المصلحة الدينية ، وهو لا يجد أي مصلحة دينية في الظهور الإعلامي ، ولم يجد _ حتى الآن _ سبباً يقنعه بخلاف رأيه ).
5. لاحظ المتابعون للاستقبال غياباً تاماً للحضور الديني ( الحوزوي ) ، وكثرت التساؤلات حول ذلك ، وفي تقديري أن الأمر يعود الى تركيبة الحوزة العلمية والمؤسسة العلمائية ، التي حرصت منذ مئات السنين على حفظ التوازن بين وحدة وتماسك الموروث الفكري والعقائدي الذي يجمعها ، والتأكيد على التعددية العضوية وعدم الوقوع في فخ الهرمية القيادية ، مما يجعل رأس الهرم وكأنه الإمام المعصوم.
وبتعبير آخر فقد حرص آية الله _ رغم كونه المرجع الأعلى _ على عدم جمع المرجعيات الأخرى في منزله وتقديم نفسه كرأس ( وحيد ) لهذه الطائفة في مقابل رأس الكاثوليكية الذي يزوره ، وفي ذات الوقت لم يستقطع السيستاني جزءا من الكيان الحوزوي ويجمع بعض أساتذة الحوزة وينسبهم الى نفسه ليقدمهم كوفد استقبال ، وهو يدرك جيداً مدى التأثير المعنوي لتصرفاته على الأعراف الحوزوية .
هذا ، مضافاً الى التعبير الذي استخدمه الفاتيكان _ قبل وبعد الزيارة _ وهو ما ورد في بيان الزيارة بوصفها ( زيارة المجاملة التي استغرقت خمسة وأربعين دقيقة ) مما يخفف أعباء الاستقبال ، لكونها زيارة ذات طابع شخصي ، وتعتبر _ لدى الطرفين _ استثناءاً لابد منه في الرحلة الرسولية ، لتقديم الشكر الى آية الله ، وليس لدراسة مشروع مشترك بين الفاتيكان و المؤسسة الدينية في النجف ليكون هناك حضور رسمي للطرفين .
وهو ما يفسر _ ربما _ خلو البرنامج من فقرة خاصة بزيارة مرقد الإمام علي بن أبي طالب ، الذي يبعد مكتب آية الله بضعة أمتار عنه ، لأن زيارة المجاملة بحد ذاتها كانت استثناء .
وأكرر ، أن هذا تقديري ومحاولتي المتواضعة لقراءة الحدث .
6. وجود الأستاذ حامد الخفاف وكيل المرجعية العليا في لبنان _ ذي التنوع الطائفي _ كممثل وحيد عن مكتب آية الله في استقبال البابا وتوديعه ، ربما ينطوي على عدة ملاحظات :
* حيث أن الخفاف يمثل أحد أهم الوجوه البارزة لعلاقات مكتب آية الله بالمكونات والأطراف الأخرى ، فقد كان وجوده في هذا الاستقبال تعزيزاً جيداً لموقعه على نطاق أوسع .
* الرجل هو المعني الأول بتدوين مواقف المرجعية وبعض يومياتها المفصلية وتقديمها للجمهور ، كما في كتابه ( الرحلة العلاجية ) وكتبه وحواراته ومقابلاته الأخرى ، فيمكن القول أن وجوده في قلب الحدث ، يعني أن قلمه بدأ من الآن بتدوين أدق تفاصيل هذه الزيارة للتاريخ ، منتظراً _ أو منتظرين _ الوقت المناسب لنشرها .
* الطابع الديني للزيارة لا ينسينا أن الفاتيكان دولة ذات مقومات سياسية وتمثيل دبلوماسي ، وهي في وسط تجاذبات الشرق والغرب منذ الباباوات السابقين ، بل وكان لها دور معروف في مواجهة المعسكر الشرقي أبان حبرية البابا يوحنا بولس الثاني ، والبابا هو رئيس هذه الدولة ، مما يعني أن الأعراف والعادات التي درجت عليها النجف ، قد لاتسمح بتصدي رجال الدين لمهمة الاستقبال والتوديع أو ما يسمى ( التشريفات ) ، ولذا لحظنا عدم تصدي الدائرة القريبة من آية الله ، كنجله الأكبر السيد محمد رضا ، والوكلاء المعروفين كالشيخ عبد المهدي الكربلائي والسيد أحمد الصافي وغيرهم .