الخميس - 28 مارس 2024

المرحوم المجاهد المهاجر في سبيل الله ابي علي الشايب..

منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


كاظم الطائي ||

• حاج فرحان الطائي.
بعد 1979 ونقلا عن احد الاصدقاء وهو القائل
بعد هجرتي بشهر تقريباً أوائل سنة 1980م سكنا في مقر للحركة الإسلامية في الأهواز وهو عبارة عن بيت أعطي لنا وكان عددنا آنذاك لا يتجاوز الأربعين، وهذا المقر كان عبارة عن سكن يسكن فيه المجاهدون بعد رجوعهم من مرحلة التدريب في معسكر الشهيد الصدر.
في هذه المدة كنا نستقبل المهاجرين ونوجههم الوجهة التي نستطيع أن نخدم بها قضيتنا الكبرى.
وفي أحد الأيام جاءنا رجل كهل معقل يظهر أنه ابن الخمسين ومعه شاب لا يتجاوز العشرين، سألته: (من أين؟) قال: (من الناصرية من الفهود)، فأسميناه بـ (أبو علي الشايب) حيث كان الشيب غالباً في لحيته، وعندما أعطيناه المنحة المقررة للمهاجر وهي عبارة عن 500 تومان اعتذر عن قبولها وقال إنه غير محتاج، وبدأ يسأل: (كيف نعمل؟ وأين نتدرب؟ ومن أين نحصل على السلاح؟) وبعد أن وضحنا له ذلك اطمأن.
وفي اليوم الثاني استعد للذهاب إلى المعسكر ليتدرب، وكنا نراقب القادمين، ونحاول تقييمهم أنا، والسيد علي العلاق، وقيس الشامي (أبو إخلاص)، والشهيد مظهر سلمان من ديالى.
وفي الليل كنت أراقب هذا الكهل القادم إذ اضطجع إلى جنب ولده (عبد العال) الذي ألمكنى (أبو كميل)، رأيته يتحدث مع ولده كأنه يتحدث مع صديق له، وبينهما من التوادد والاحترام الكبير الكثير.
وفي اليوم الثاني ذهب إلى المعسكر رغم كبر سنة نسبة إلى الشباب الذين معه، وأصر إلا أن يمارس التدريب معهم، فأصبح بمثابة الأب الرؤوف على أولاده، وفتحت له قلوب الشباب لسمو خلقه، وأدبه الرفيع، وتعامله الطيب، وعفته النفسية، ذلك هو المعروف (أبو علي الشايب) الحاج فرحان الطائي.
وكنا نتابع الأخبار في داخل العراق، وجاءه خبر من منطقته بأنهم قد هدموا بيته، وشردوا عياله أو سجنوهم، فما أبدى من التأثر إلا قليلاً، وقال: (فليكن ذلك بعين الله)، وعائلته التي أخرجت من دارها بنت لها داراً أو كوخاً على مرتفع في المنطقة، وسكنوا فيه.
وبعد مدة لم تكن طويلة جاءه خبر بأن الفيضان قد أغرق المنطقة كلها إلا كوخ عائلته، فلما سمع بالخبر قال ما معناه: (عين الله لا تغفل عن الظالمين، ولا تترك المظلومين)
لقد تميز هذا الشيخ الكبير رغم عدم مستواه الدراسي بمميزات لا تتوفر إلا بالأوحدي من الرجال، لقد كان عميق الإيمان بالله، إلى حد التسليم واليقين بأنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، بهذا الإيمان كان يواجه المصائب التي تتوارد عليه، وبهذا الإيمان واجه استشهاد ولده الذي نزل إلى العراق بعد انقضاء مدة التدريب، فحين وصول خبر استشهاد ولده لم يزد على قوله: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وحين رأى بكاء الشباب على ولده كان يسليهم ويواسيهم وكأنه لم يكن هو المصاب، تلك هي درجة الإيمان لهذا العبد الصالح.
ومن مميزاته: السمو الخلقي؛ فقد كان صاحب خلق رفيع لم نسمع منه كلمة رفع فيها صوته على أحد، بل كان يتميز بالهدوء والوقار والعفة والشفقة على أبنائه المجاهدين.
ومن مميزاته: كثرة العبادة والذكر الدائم المتواصل دائماً وفي حالاته كلها.
ومن مميزاته: الشجاعة، فقد كان شجاعاً، وقد كان يدخل إلى العراق ويرجع إلينا وينفذ المهمة التي يكلف بها.
وعلى كل حال لقد كان المجاهد الراحل فرحان الطائي عبداً صالحاً، واعياً لدينه مؤمناً بربه ، مستسلماً لله تعالى، عميق الولاء لأهل البيت (ع) صلوات الله وسلامه عليهم.
ورغم ضعف حالته المادية فقد كان يتحرك لقضاء حوائج المهاجرين ولا سيما عوائل الشهداء، وعلى ما أذكر تكفل بعائلة فيها مجموعة أيتام، ويسعى دائماً لقضاء حوائجهم.
رحمك الله يا أبا علي، ورحم ولدك أبا كميل، ورزقنا شفاعتكما يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.