الخميس - 28 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


محمد مكي آل عيسى ||

الموالون لأهل البيت ع يَعتبِرون أن التمهيد لظهور صاحب العصر والزمان ع واجب على كل من يحمل روح رسالة الإسلام ويهدف لتجسيدها لا للعمل بها فحسب , حيث أن من صفات هذه الرسالة أنها عالمية غير محدودة لا تتحدد بمكان دون آخر ولا بأمة دون أمة , وقد تبنى الله قضية إظهارها على الدين كله وتمكين المؤمنين بها من الأرض كل الأرض وإبدالهم من بعد خوفهم أمناً بعد أن تملأ قسطا وعدلاً كما ملأها حزب الشيطان ظلماً وجوراً.
فرسالة كهذه تستحق أن يكون هناك سعي دائب وحثيث على أن تعلو وتستمر وتنتصر ولكي يتحقق ذلك لا بد من التمهيد لهذه الدولة العادلة التي تصل الى ذروة عزّها على يد المرتجى المؤمّل , وكل سعي وبذل وجهد في تحقيق هذه الدولة الكريمة هو تمهيد لها بالتأكيد.
لكن من هم الممهدون وما هي طبيعة تمهيدهم؟
إن الممهد الأول لقيام دولة الحق هو ربها وصاحبها الأصيل لا إله إلّا هو فقد مهّد لها تكويناً وتشريعاً فكانت رسالات السماء كلّها واحدة بعد أخرى تمثّل مراحل تطويها البشرية باتجاه الدولة المنشودة , فمن بعد الحق تعالى كان أنبياؤه وأولياؤه ساعون في سبيل التمهيد لهذه الدولة ولو على بعد من الزمن بينهم وبينها فكل رسالة سماوية ودعوة إلهية على لسان نبي أو رسول هي تمهيد لظهور دين الله على الدين كله حتى وصل الأمر الى خاتمهم صلوات الله عليه وآله والذي كان عليه أن يرسي قواعد التمهيد لأنه يعلم بخاتمية دعوته فلابد أن يكون تمهيده لدولة الحق مما لا يبقي شكّاً في قيام تلك الدولة ولا يدع باب ريب تجاهها إلّا وأغلقه فذكرها مرّة بعد مرة وأكد عليها بأحاديث وروايات متسالمة عند المسلمين وهكذا دأب الأئمة من بعده صلوات الله عليهم من خلال رواياتهم وتأكيدهم وحثهم على التطلع لتلك الدولة وانتظارها والسعي لإقامتها.
حتى جاء الدور لقائمهم والذي يكون الفتح على يده , القائد لتلك الدولة والممثل لرسالات السماء أجمع والحامل للواء جميع الأنبياء والأولياء. فمنذ أن استلم أعباء الإمامة بدأ دوره الأساسي في بناء وتشييد تلك الدولة والتمهيد لها.
نعم ففي زماننا الحاضر هو الممهد الأول والراعي الأول لدولة العدل الإلهي تلك الدولة الكريمة التي ستقوم على يديه.
وبطبيعة الأمر فإن دوره لن يكون دوراً هامشياً كدور أي ممهد من المؤمنين بل لابد أن يكون متناسباً مع شخصه ومسؤوليته صلوات الله عليه ، فلن نتوقع أن يكون دوره محدوداً يعمل على جزئية هنا وجزئية هناك بل طبيعة مقامه تفرض أن يكون دوره استراتيجياً متلازماً مع كل حدث عظيم يمر على البشرية فيه تقدّم نحو قيام هذه الدولة الفاضلة.
ونحن كلنا نعترف بذلك عندما ننسب الحدث الكبير بأنه ببركة صاحب الزمان ع أو أنه بألطاف صاحب الزمان ع ومنّا من ينسب ذلك على وجه الارتباط غير المباشر والألطاف والبركات البعيدة وكأنه يجامل صاحب الأمر ع أو أنه يلصق به أمرا يبعد عنه. لكنني أرى الحق غير ذلك.
فالذي تتنزل عليه الملائكة من كل أمر في ليلة القدر حريٌّ به أن يكون دوره مباشراً فعّالاً إرادياً في التمهيد للدولة التي تفتح على يديه وتقوم بشخصه فتأثيره ليس بركة بعيدة أو مسمى لطف يطلق مجاملة وإنما دور حقيقي يعد واجباً عليه عقلاً وشرعاً.
فما نجده من رفعة للإسلام وانتصارات للمؤمنين لا يمكن أن نعتبرها بعيدة عن تدخلاته فانتصار أي ثورة حق وقيام أي دولة للإسلام العظيم وارتفاع أي مجد له كلها لا تبعد عن شخصه وجهده ع انتصار لبنان في حرب تموز وانتصار الحشد الشعبي على داعش وما نراه اليوم من استعلاء وغلبة لغزة على الاحتلال الغاصب ما هي إلّا صنائع له يد فيها فالفئات المؤمنة الضعيفة إذا انتصرت لله فسينصرها الله ولن ينصرها الله إلا إذا كان سعيها خالصاً له متوجهاً له سبحانه توجهاً مستقيما لا يشوبه أي شائن ولن يكون ذلك إلا بوجود قيادة صالحة معصومة عن الخلل والزلل تقود تلك الثلة نحو الله.
وتلك قيادته صلوات الله عليه . . قد يعترض معترض بأن المؤمنين العاملين اليوم لهم قيادات بشرية غير معصومة تتولى هي الأمر وتباشره كما نرى وهذه صحيح لكننا نجد أن هذه القيادات كلها لا تدعو لنفسها وترى نفسها أصغر من أن تكون قيادة حقيقية وتنسب القيادة الحق لصاحبها ع وبنفس الوقت نرى أن بعض الآثار التي نشاهدها من المؤمنين تفوق حجمهم بأضعاف بل هم المؤمنون أنفسهم يتفاجؤون بما يحققوه من الانتصارات والتقدم ويؤمنون أن هناك توفيق خفي صاحبهم وبسببه حققوا إنجازاتهم وذلك هو أثر صاحب الأمر ع الذي يراقب أعمال المؤمنين معتنيا بها ومسددا لها وبالخصوص تلك البرامج الضخمة الجماعية التي تحقق أهدافاً تتجاوز حدود المصالح الفردية وتسعى لمصلحة الإسلام العظيم الكريم بالدرجة الأساس وتخدم بذلك الإنسانية جمعاء.
وذلك الأثر الفعلي هو الذي أشارت له الروايات من أنه كالشمس خلف السحاب فالشمس إنما تحفظ للناس ما لا يدركوه من نظام الجذب الذي يحافظ على الأرض ودورانها ودوران قمرها وحمايتها من الاصطدام بغيرها من النجوم ما لم يفكر به الساكن على الأرض والذي ينحصر تفكيره بأشعتها فحسب.
وكما أن حركة التمهيد العالمية بقيادته صلوات الله عليه فبالتأكيد ستقابلها حركة عالمية أخرى بقيادة الشيطان يمهد فيها لأوليائه وجنده يبذلون فيها الغالي والنفيس ليمهدوا ويوطّئوا لكل حركة سفيانية تواجه حركة مهدي البشرية وهاديها وسينخرط جند الشيطان فيها من الجن والإنس منظرين ومتكلمين وداعمين لأربابهم. والله العالم
نسأل الله أن تظهر شمسنا من خلف السحاب وأن تشرق الأرض بنور ربها وأن ندرك منه خيره الظاهر والباطن ونكون ضمن الدافعين المحرّكين لعجلة سيره وعمله ومن الممهدين السائرين على نهج تمهيده صلوات الله عليه لا مخالفين ولا مترددين بحق محمد وآله الطاهرين .