الجمعة - 29 مارس 2024

استرداد الأموال المنهوبة وعائدات الفساد ج1

منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


سعيد ياسين موسى ||

منذ سنة ونصف تقريبا وضعت ملف استرداد الاموال المنهوبة وعائدات جرائم الفساد على الطاولات الدولية والوطنية وخصوصا بعد ما يسمى الربيع العربي , واستنادا على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ,وعقدت مؤتمرات تخصصية مع تأسيس المنتدى العربي لاسترداد الاموال المنهوبة من الشعوب ,وتشرفت ان اكون موجودا في احدى هذه الملتقيات والتعرف على عدد من الجهات الدولية المصرفية السويسرية وشرطة الاسكتلنديارد والبنك الدولي بدعوة من الدول الثمان والبرنامج الانمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي وكذلك التعرف على عدد من تجارب بلدان الربيع العربي كمصر وتونس بالإضافة الى لبنان, وهذه الاموال المنهوبة من قبل سياسيين متنفذين يقودون ويديرون البلدان ,وما يهمني هنا بلدي العراق , وهنالك تساؤلات عديدة بهذا الخصوص ويفترض علينا تحليل البيئة السياسية والبيئة المؤسساتية الرقابية والبيئة التشريعية وكذلك القضاء ودور المؤسسات الرسمية كوزارة الخارجية والتعاون الدولي ,ولا يفوتني بيئة البنك المركزي والمصارف وحركة الاموال والمنافذ الحدودية وغيرها , وما اريد تناوله هي الصورة العامة دون الولوج الى التفاصيل والاسهاب غير المفيد الجزئية الان ,وحتى الحالة العامة ليست بهذه السهولة والبساطة ولكن التأشير اليها من واجب كل مواطن لأنه صاحب المصلحة النهائية وكل حسب دوره الاجتماعي والوظيفي.
بمقارنة بسيطة بين حجم الاموال المرصودة في الموازنات الحكومية للدولة مع حجم ونوع الخدمات المقدمة الى المواطنين ,نرى مدى تخلف هذه الخدمات كما ونوعا مع المبالغ المرصودة الى القطاعات الخدمية والامنية والدفاعية وتحول المؤسسات الى بيئة ترتع فيها البطالة المقنعة المتدنية من حيث الانتاج (17 دقيقة قيمة الانتاج اليومي لموظفي القطاع العام) ,أين ذهبت الاموال ,اذا هربت الى الخارج ما هي الاليات التي اعتمدت في تهريبها ,واذا استخدمت في الداخل ايضا ما هي الطرق والاساليب المستخدمة في سرقتها ,كيف يتم التعامل مع عائداتها أي عائدات الاموال المنهوبة للخارج والداخل, ان هذا الملف كبير جدا وليس لشخص واحد او مؤسسة واحدة التصدي لها لحفظ المال العام .
ان منع نهب الاموال لها محورين لاحتوائه ومن ثم منعه والقضاء عليه ولو نسبيا ,اولا الوقاية وثانيا الردع والجزاء وكل المحورين لهما تفاصيلها وجزئياتها.
وما يهمني هو الجانب الوقائي لمنع الجريمة ,جريمة نهب الاموال وتهريبها خارجيا وداخليا, وادعي ان المحور الوقائي اهم و اخطر المحورين ,وسأتحدث في هذا المقال عن البيئة المؤسساتية والفرص التي من الممكن احتواء جريمة تهريب الاموال وبعدها التحديات التي نواجهها كدولة ومجتمع وافراد.
ان الجهات التي تختص في ملاحقة الاموال المهربة كمؤسسات رقابية هي هيئة النزاهة وهذه المؤسسة لها الولاية على مكافحة الفساد في البلاد ولديها دائرة لاسترداد الاموال المنهوبة ,ودائرة للوقاية ,وولايتها على ملاحقة جرائم الفساد بعد سقوط الدكتاتورية وقيام النظام الديمقراطي ,وهذه المؤسسة الرقابية تمثل العراق رسميا في تنفيذ اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ووضع سياسات عامة للوقاية من الفساد والتحري والتدقيق والتحقيق والاحالة للقضاء وادماج المجتمع في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد ,مع رسم خارطة طريق لمكافحة الفساد وتنفيذ التزامات العراق وفق الاتفاقية المذكورة , والمؤسسة الثانية هي هيئة المساءلة والعدالة دائرة دائرة الملاحقات المالية والاقتصادية , وزارة المالية صندوق استرداد اموال العراق ,والجهات الساندة لهذه المؤسسات هي ,البنك المركزي مكتب غسيل الاموال ,وزارة الخارجية لأبرام الاتفاقيات الثنائية ,وقبل كل ذلك مجلس النواب في لجانها التخصصية النزاهة والقانونية والمالية والاقتصادية ,والقضاء لإصدار الاحكام في تجميد وحجز ومصادرة اموال الفساد وعائداتها وتجريم المتهمين واصدار احكام الملاحقة, وقبل كل ذلك مجلس النواب بلجانها التخصصية في القانونية والنزاهة والمالية والاقتصادية, وذلك لتشريع القوانين اللازمة وردم الفجوة القانونية بالتشريع والتعديل ومهام الرقابة والمساءلة والمحاسبة والمتابعة, ومن الجهات الامنية المهمة ,وزارة الداخلية قسم الانتربول ,وجهاز المخابرات الوطني ,ومستشارية الامن الوطني الدائرة الاقتصادية , ولا تفوتني مؤسسات المجتمع المدني مثل المنظمات غير الحكومية والنقابات الحقوقية والاهمية القصوى للمؤسسات الاعلامية كمؤسسات وافراد مختصين في الصحافة الاستقصائية لحراسة المؤسسات من المفسدين ولخلق رأي عام مسترشد بالمعلومات ضاغط ومناصر لملف مكافحة الفساد واسترداد الاموال المنهوبة , كل هذه المؤسسات هي فرص لاحتواء الفساد وتطويقه والقضاء عليه وعلى المفسدين ,ومن اهم الفرص هو تبني الحكومة الجديدة لملف مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين مهما كانوا واينما كاموا وهذا ما نعول عليه , في الجزء الثاني ساتناول ما يمكن بما يخص ملف استرداد الاموال المنهوبة وعائدات الفساد وملاحقتها وكيفية استخدام الاموال المستردة واثارها السلبية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل وحتى الامنية.