الخميس - 28 مارس 2024

سيـف القــدس.المعركة الحرب

منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


حسين شلوشي ||

الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الممتد منذ قرن من الزمان ويزيد، مر بمراحل وتطورات ومعارك كثيرة وكبيرة جداً وفي كل عقد منه توجد محطة او اكثر تمثل مفصلاً وشاهداً على استمرارية الصراع وعدم سقوط الحق بالتقادم او التخادم مع اطراف تعتبر نفسها جزءاً من الصراع ، كما هو الحال مع الدول العربية التي اختارت التطبيع بل اختارت الاصطفاف مع اسرائيل ضد فلسطين وتحسب نفسها على الصف العربي الفلسطيني كما هو حال دويلات الخليج حالياً.
لكل محطة او مرحلة ظروفها العامة والتفصيلية الخارجية والداخلية تلقي بظلالها على نتائج الثورة والمعركة التي تدور مع الكيان الاسرائيلي ، ففي المراحل الاولى في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي كان الجيش البريطاني هو الذي يواجه ويقــ-ــتل الفلسطينيين في ارضهم ويوسع رقعة التمدد الصهيوني باعتباره صاحب المبادرة في تأسيس (الدولة اليهودية) مطلع القرن العشرين ب(وعد بلفور) وفي هذه الفترة فإن النظام العربي كان هلامياً أو مائعاً في الاحتلال العثماني ومن ثم الانتداب البريطاني الفرنسي ، وفي الاربعينيات كانت النكبة 1948 ، وانتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين وكذلك اعلان اسرائيل دولة مستقلة على وفق اتفاق وتوافق الدول العظمى التي افرزتها نتائج الحرب العالمية الثانية.
وفي الخمسينيات بروز المد القومي العربي وظهور قيادات واحزاب قومية وتأسيس المنظمات والجماعات الفلسطينية المقــــ١ومة الرسمية ووضوح السلطات والانظمة العربية في كثير من الدول العربية ، ومن ثم الستينيات والنكسة والسبعينيات وحرب اكتوبر ، وبذات العقد بدأت مفاوضات وخطوات التطبيع التي تكللت في كامب ديفيد وأن العقود بعد التطبيع افرزت نتائج اخرى تعتبر غاية في الاهمية وتحديدا بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران نهاية سبعينيات القرن الماضي ، كمتغير جديد في هذا الصراع وفي اجزاء منه يعد تحولاً في ميزان القوة بعد ان فقدت اسرائيل اقوى واكبر داعم لها في المنطقة والمتمثل بنظام الشاه الايراني ، وحلّ بديلاً عنه نظام يتبنى القضية الفلسطينية ، وان النتيجة العملية الاخرى تمثلت في اضمحلال دور النظام العربي في الصراع كمؤثر واقعي يهدف الى تحرير فلسطين ، ويمكن القول انه خرج من معادلة المواجهة بعنوان (الجمع القومي) وان قوته الذاتية العسكرية الاستخبارية (كدول عربية) منفصلة اقطاراً اصبحت مادة للابتزاز السياسي المستثمر مع اسرائيل وحلفائها الغرب، وصار الهدف العربي المنشود هو حماية هذه الانظمة وبقائها في الحكم مع الاستعدادات التي يقدمها هذا النظام العربي في تخدير الشعوب العربية وسحب الوعي والقدرة الى مكان اخر في تحسس مهددات بلده وامنه ودينه. وادركت قوى المقــــ١ومة الفلسطينية هذه الحقيقة بوعي الحريص على ارضه وشعبه ووطنه وظلت اسيرة امرين هما ، ديمومة القضية الفلسطينية بوجه الاحتلال وتسيير امور البلد ادارياً واجتماعياً في الارض المحتلة ، وهو ما يعني استمرار التواصل مع الانظمة العربية بعناوين التمويل واللوجستيات الاخرى العامة.
مع هذا التحول في النظام العربي وانكفائه عملياً عن المواجهة مع الكيان الاسرائيلي ومجيء المتغير الاسلامي الاكبر بنشوء دولة ونظام اسلامي اممي في جمهورية ايران الاسلامية وهذا النظام يضع القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين اولوية اولى في تفصيلات الدولة الايرانية كمؤسسات عامة وعلى مستوى الفتوى والتشريع وعلى المستوى السياسي والاعلامي والثقافي.
المتغير الجديد في اعادة بناء (القوة) لفصائل المقــــاومة الفلسطينية وبجوارها حـ-ـزــب lللــ-ــه في جنوب لبنان وضع معادلة عقائدية سياسية عسكرية جديدة تستأنف العمل الجهادي لتحرير فلسطين باعتبارها اغلبية اسلامية وأن حركتها السياسية تتخطى القرار السياسي الذي يصدره النظام العربي المخالف للارادة الفلسطينية الشعبية والمقــــاومة، لتضطلع المقــــاومة الفلسطينية بدورها وفق الاستراتيجية الجديدة وتباشر ديمومة المواجهة بالاعتماد على النفس والامكانات المتوفرة بين يديها، والملفت ان المسار السياسي الفلسطيني حافظ على حافات السيف في العلاقة الاسلامية بتقاطعها المذهبي والقومي والعاطفي ، وهذا كان واضحاً في استمرار وتطور العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والجمهورية الاسلامية اثناء الحرب العراقية الايرانية ، والمفارقة ان افواج المقــــاومة الفلسطينية وأثناء الحرب كانت تتدرب في معسكرات البلدين المتحاربين! وهو ما يؤكد جدية الفلسطيني في تحرير ارضه ، وهو ما اتاح فرصة كبيرة للجمهورية الاسلامية ان تمضي دون الالتفات الى هويته القومية او المذهبية او الدينية وإنما الحركة العامة يقودها الهدف العام (القدس) وتحريرها.
ولما كانت هذه (الامة الاسلامية) ونظامها فتية في الوجود السياسي ، وما دار حولها من ارتياب غربي وآخر عربي ودخولها حربا طاحنة لثمان سنوات ، كان حرياً بها العمل على استقرار النظام الجديد لتستغرق الوقت الكافي في ترسيخ هذا النظام وتثبيته وبناء القدرات الممكنة للاضطلاع بدور حماية الامة ومصالحها.
تعرض هذا النظام الاسلامي الى ضغوط قاسية وكبيرة جداً ، ربما لا تتحمله دول وانظمة اخرى حتى ترفع الراية البيضاء وتسلم قيادتها واولوياتها الى المؤثرين الضاغطين عليها بفواعل مختلفة من الدول الغربية وحلفائهم في المنطقة، الا ان الذي حصل هو العكس تماماً ، وأن هذا الضغط انتج نظاماً صلباً جداً بل دخل الى مضمار سباق الردع الاستراتيجي والتهديد المباشر وغير المباشر لكل مصالح الغرب والكيان الاسرائيلي ، وعادت حركة الكيان الاسرائيلي الى مطلع الخمسينيات وإعلان الحرب المفتوحة في ميادينها المختلفة (السياسية ، العسكرية ، الامنية الاستخبارية ، الاعلامية ، الحرب النفسية …الخ) وكان معها كل العالم الغربي الاميركي والاوربي، وفي وقتها كان يقابله الوهن والهزال العربي الواقعي بمقاييس موازين القوى والقدرات او الامكانات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية. اما عودتها اليوم فهي في زمن جديد ومواجهة امة جديدة بعقيدة مختلفة وهدف اصيل لتحرير فلسطين وليس هدفاً تسويقياً دعائياً، وهي تأتي في زمن استقر فيه النظام الاسلامي وترسخ وانتقل الى الاضطلاع بدور حماية مصالح الامة بشكل صريح وواضح وغير عابئ بحملات الاعلام الغربي والعربي الحليف لاسرائيل وغير متردد في اتخاذ قرار استعراض القوة وبيان اثرها العملي في الميدان.
وعندما وقعت حادثة حي الشيخ جراح في مايس 2021 في الاراضي المحتلة وهي تحت الادارة الاسرائيلية جاءت ردة الفعل الشعبية في كل فلسطين بعنوان الهوية الوطنية الفلسطينية ، والانتماء الى الدولة الفلسطينية وقد تحرك هذا الجمهور بالعنوان الاوسع والرمزية الدينية التأريخية في هذه الارض .. القدس .. والمسجد الاقصى ، ليكتشف الاسرائيلي الغاصب ومعه الفلسطيني المطالب بحقه وأرضه انه وسط امة كبرى اسمها (الامة الاسلامية) وهذه الامة اعدت له عناوين القوة في ردع هذا المتغطرس المغتصب الكاذب والمبالغ في طروحاته السياسية والدعائية ويكشف عن عورته وضعفه الكامل امام الاستعداد الجديد في قدرة التأثير العسكري داخل منظومة اسرائيل العسكرية واسقاط الحماية المعنوية لجمهور دولة الكيان وهذا يعني ان التوازن والردع العسكري قد تحول الى (متغير جديد) ، هذا المتغير يدركه المسؤول الرسمي في دولة الكيان بحسابات (القوة) والعسكر ، ويمضي ويثبت فهماً وثقافة جديدة في جمهور الكيان الاسرائيلي ، وهو ما جعل ردة فعل الاعلام الاسرائيلي عنيفة ومعنفة لنظامها السياسي بكذبة الدولة القومية الآمنة ، وهذا الاعلام كان يعكس مشاعر الجمهور العام الذي توقف عن الحياة تماماً وسكن الملاجئ بنسبة تتجاوز 70% من هذا الجمهور ، وهو ما يرتب خسائر مالية على الجمهور جراء توقف عمله ومصالحه ، ومن جانبها اعلنت الحكومة انها تقدر خسائر العمليات والاجراءات التي تقوم بها في هذه المواجهة التي اسمتها المقــــ١ومة الفلسطينية (سيــ-ــف القــ-ــدس) بكلفة تصل الى 925 مليون دولار في ثلاثة ايام.
ان الاثار التي انتجتها هذه المعركة من الشمولية بمكان انها ليست نتائج معركة بل انها نتائج حرب ، طبقاً للاثار المترتبة من هذه المعركة وامتداداها الى ميادين الدولة الكاملة ، التي اقر بها (الاسرائيلي الرسمي) قبل غيره ، وقد تمثلت بالاتي:
سعة التأثر الشعبي داخل الكيان الاسرائيلي وبروز ردات الفعل المختلفة ، ومن هذه الانفعالات هو السخط على جماعات اليمين اليهودي المتطرف وظهر معزولاً وملاماً حتى على لسان حكومته اليمينية ، وهو ما يسقط مشروع التهويد.
سقوط الخطاب الديمقراطي المزعوم والوحدة الشعبية داخل الاراضي المحتلة والتصادم في الاحياء الفلسطينية وتخلخل البيئة الاجتماعية.
تهاوي الخطاب الاعلامي وسقوط ترميزات الدعاية الاسرائيلية المتبجحة بالقوة والامان.
الوهن الاقتصادي وتأثره المباشر في غضون اسبوع واحد قبل وقف اطلاق النار ، وهو ما يجعله مفتاحاً اساسياً في اندحار اسرائيل بأي معركة قادمة.
التهديدات العسكرية وشمول الصنوف العسكرية في هذه المعركة ، لمواجهة صواريخ المقــــ١ومة من القطاع وخارجه والكشف عن وصول سلاح المقــــ١ومة الى المراكز الاستراتيجية.
الالتفاف الجماهيري الاسلامي والعربي والانساني حول القضية الفلسطينية وتثبيت الحق الفلسطيني في ارضه وهو ما شكل ضغطاً نفسياً على الادارة والجمهور الاسرائيلي وشعوره بالعزلة والدونية.
سقوط مشروع التطبيع مع الانظمة العربية ، وأن هذا التطبيع لا يغير في الموقف الشعبي للمجتمع الاسلامي والعربي ، ولا يعد مكسباً سياسياً مهماً في سياق الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لخروج مقدرات القوة من النظام الرسمي العربي الى منطقة اخرى هي الاوسع والاكثر ثباتاً في المواجهة.
ان هذه المعركة ثبتت العناصر الجديدة في المواجهات القادمة كحرب مستمرة ، وشكلت تهديداً مختلفاً عن حسابات الكيان الاسرائيلي وداعميه لا سيما المتعلق بالبناء العسكري (المستقل) وتكتيكات استخدامه.
برز العامل المؤثر الكبير في حسم هذا الصراع ونقله الى منطقة الحلول التأريخية وهو العامل الاجتماعي ، سواء في جزئياته السايكلوجية ، او توزيعاته الديموغرافية.
تَشَكُل رأي عام داعم للحق الفلسطيني في دول الغرب ، وناغمته تصريحات رسمية في هذه الدول وهذا يمثل الانتقالة الكبرى لاسقاط الاحجية الاسرائيلية.
خروج الركن الاساسي في صفقة القرن ، المتعلق بتمكين وتكليف اسرائيل أمَن منطقة غرب اسيا ، بعد فشلها في حماية نفسها من تهديد فصائل مسلحة فلسطينية وليست دولا كبيرة مثل جمهورية ايران الاسلامية ، تركيا ، دول محور المقــــ١ومة الاخرى.
ـــــــ