الخميس - 28 مارس 2024

الفتح والحشد الشعبي..عنوان الانتصار

منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


حسن الربيعي *||

تواجه الأمم عبر تاريخها تحديات مختلفة قد تؤدي الى تغيير مساراتها وعرقلة توجهاتها وتطلعات شعبها، أو ربما تؤدي المنعطفات التي تتعرض إليها إلى تعزيز تقدمها وبناء مجدها، ويتحدد مصير الأمة تبعا لاستجابة أبنائها واستعدادهم للتضحية والدفاع عنها في الظروف الطارئة، ومن أصعب التحديات التي قد تؤدي للانتكاسة والتراجع عندما تتعرض للغزو أو الاحتلال ومحاولات الهيمنة من قوى خارجية، وقد مر العراق في السنوات الأخيرة بمنعطفات خطيرة كادت تودي بكيانه الى التقهقر والاندثار، فبعد سنوات الاحتلال الأمريكي التي أعقبت حقبة الحكم الدكتاتوري الظالم، تعرض العراق لهجمة ظلامية، إنهارت على أثرها قطعات الجيش والقوات الأمنية أمام تنظيم «داعش الإرهابي» الذي بسط سيطرته على مساحة تُقدر بثلثي العراق في أواسط عام 2014، وتوغلت قوى الظلام في عدة محافظات شمالية وغربية، وعاثت في الأرض بطشا وفسادا وتدميرا وعدوانا وخربت معالم المدن وحرقت الأرض وسبت النساء وقتلت من وقف بوجهها من الرجال والنساء والأطفال، إثر ذلك أصدرت المرجعية الدينية الفتوى المقدسة، وكبّرت المساجد والحسينيات معلنة نداء الدين والوطن، فقد أصدر سماحة السيد علي السيستاني فتوى الجهاد الكفائي لمواجهة خطر داعش الإرهابي. وانتفض عرق الحضارة بدماء العراقيين الأصلاء لتلبية النداء يتقدمهم أبناء المقاومة الإسلامية، ومواكب الخدمة الحسينية، ورايات العشائر العراقية لتعلن ولادة الحشد الشعبي في أروع تجسيد لحب العراقيين لدينهم ووطنهم.
واحتشد الشعب طوابير أمام مراكز التطوع بملابسهم المدنية، وأسلحتهم الشخصية، تاركين عوائلهم وأعمالهم، وجميع مشاغلهم وارتباطاتهم تلبية للفتوى التي وحّدت العراقيين بمختلف أديانهم، ومذاهبهم، وقومياتهم، وأعراقهم، وعشائرهم، وتوجهاتهم، متغلبين على آثار الفتن الطائفية والعرقية التي حاول ان يزرعها الشيطان الأمريكي إبان احتلال العراق، فهب أبناء محافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية، لنصرة أبناء المحافظات الشمالية والغربية بأغلبيتها السنية، وأقليات من ديانات مختلفة، وكانت ولادة الحشد إعلاناً لنهاية الفتن، وإيذاناً لبدء مسيرة الانتصار، فعندما يتعرض العراق للخطر تنتفض كل قطرة من دماء العراقيين الأصلاء تساندها قطرات ماء دجلة والفرات، لتتحرك العقول، والضمائر، والأجساد رافعة رايات النصر بهتاف (لبيك يا حسين، لبيك يا عراق) لترعب الأعداء وتهزمهم رغم أسلحتهم المتطورة التي جهزهم بها أعداء العراق والإسلام.
وأتسم المقاتل السومري القادم من وسط العراق، وجنوبه بإنسانيته، وشجاعته، ونخوته، وصلابته بالقتال، وتفانيه، وتضحياته لتحرير الأرض، وحماية الأعراض، والممتلكات العامة، والخاصة. وارتسمت لوحة الحشد الشعبي بأنامل شيوخ تعدت أعمار بعضهم السبعين عاماً، مع شبان لم يبلغوا الحلم، لكنهم بلغوا شموخ الرجال. وتزينت اللوحة بعمائم رجال الدين الذين تركوا مدارسهم، ومنابرهم، وحوزاتهم المجاورة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لينطلقوا مجسدين عبادة الجهاد بأبهى صورها، ولم تكتمل هذه اللوحة إلا بعناق السماء للشهداء الذين طهّرت دماؤهم الزكية أرض العراق، وأعادت لذاكرة العالم أسطورة العراقي الذي صنع الحضارة الأولى، وعلم الإنسانية القراءة والكتابة، وسيكتب على أرضه بأحرف من نور ثمرة الحركة الإنسانية عبر التأريخ ليعلن انتصار الحق على الباطل، ونهاية الظلم والجور بقيام الحضارة الخاتمة على أرض العراق تحت لواء القائد المنتظر الإمام المهدي عليه السلام.
واكتملت صورة الإنسان الحضاري العراقي عند تسلحه بشجاعة علي بن أبي طالب، وتضحيات أبي عبد الله الحسين، وفداء أبي الفضل العباس عليهم السلام، تساندهم الأم الفاطمية، والأخت الزينبية، فاتحدت القلوب الولائية لرجال المقاومة الإسلامية، مع أبناء الفتوى الجهادية، لتشكل راية الحضارة العراقية. وقد اشترك بتأسيس وتعزيز قوة الحشد الشعبي عدد من القادة والمستشارين والمقاتلين من بلدان إسلامية مختلفة لاسيما من إيران ولبنان بدوافع إنسانية وعقائدية، وكان في مقدمتهم قادة خط المقاومة ضد قوى الاستكبار العالمي، القائد السيد حسن نصر الله، والقائد الشهيد قاسم سليماني.
وسمة الحشد أنهم منصورون بالرعب ومؤيدون بالنصر الإلهي، بفضل عقيدتهم القتالية واستعدادهم للتضحية والدفاع عن حضارة العراق بقيمه، وشعبه، وأرضه، فضلا عن عديدهم، ومعنوياتهم التي ساهمت برفع معنويات التشكيلات القتالية النظامية، وهو ما أعطى زخماً شعبياً لأغلب شرائح المجتمع، فبدأت المشاركة بدعم الحشد الشعبي، ومساندته تتصاعد لتكون محل فخر، وعنوان انتماء، ووفاء للدين، والوطن، والإنسانية بأبهى صورها إذ توجهت قوافل المساندة التي نظمها تجار، وميسورون، وشارك فيها متعففون بفعاليات متنوعة، فضلا عما قامت به المرأة العراقية من وقفات مشهودة.
وكان النصر حليف الحشد الشعبي في كل معركة يخوضها، وهو ما أفرح الصديق، وأغاض العدو، وخلق تعاطفاً جماهيرياً وشعبياً منقطع النظير إذ توحدت قلوب العراقيين الأصلاء، ليعلنوا نصراً أضافياً على الطائفية البغيضة، واحياءً لقيمه الأصيلة المتمثلة بالقيم الدينية والقبلية والاجتماعية المدنية، واعلاء لشأن العراق بين الدول، وهنا تحركت نوازع الحقد والبغض والحسد في القلوب المريضة والنفوس السقيمة التي اغاضها هذا الانتصار الذي حققه شعب العراق بحكمة مرجعيته الرشيدة وقوة حشده وقواته المسلحة وبمساندة أصدقائه ومحبيه من محور المقاومة، فحاولت بشتى الوسائل أن تقلل من أهميته والنيل من مكانته، لكن هذا لم يقلل من عطاء أبناء الحشد الشعبي واصرارهم على ادامة العطاء واتمام مسيرة الانتصار عبر مشاركتهم بالعملية السياسية مجسدين انتماءهم لعقيدتهم وحبهم لوطنهم الذي مازال بحاجة لسواعدهم التي حمته من الأعداء، ان تنطلق بمرحلة الإعمار والبناء، ومكافحة الفساد، وتقديم الشخص المناسب للمكان المناسب، فكان تحالفهم الذي أعلنوا عنه قبل أيام بعنوان (الفتح)، فالعمل السياسي الوطني يساهم في بناء الدولة وحفظ سيادتها ورعاية الشعب وتقديم الخدمات التي يستحقها، وهذا ما تعاهد عليه أبناء الفتح وفاء لدماء الشهداء الزكية وفي مقدمتهم الشهيدين القائدين الجنرال قاسم سليماني والقائد أبي مهدي المهندس وبقية الشهداء السعداء، وتستمر مسيرة العطاء للدين والوطن. وما النصر الا من عند الله

*مدير مركز تاج الحضارة الثقافي