الخميس - 28 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


الشيخ خيرالدين الهادي ||


لطالما كانت القلوب تهفوا إلى الاوطان بفطرتها التي فطر الله الناس عليها, فالجميع يعشق وطنه وإن اختلفت دلالة الاوطان بين فرد وآخر, فمنهم من يرى أن وطنه زوجه, ومنهم من يجد في محيطه وطنه, ومن الناس من يندفع إلى وطنه بدافع القومية أو يفهم أن حدوده تلك المساحات التي نجحت الامبريالية والاستعمار في تحجيمه بغية الاستيلاء على العقول قبل القلوب والابدان, ثم نجحوا في الوصول إلى غاياتهم الدنيئة بعد أن تم تروَّيض الناس على الفهم الخاطئ للوطن فجعلوه ضيقا, سهل التقسيم, بعيدا عن المنطق الاسلامي الذي أسس له النبيُّ صلى الله عليه وآله وقاتل من أجله المسلمون على اختلاف أجناسهم وألوانهم وقومياتهم.
إن الاصل في الوطن لا يُحدد بحدود المساحة أو الجفرافية التي روَّج لها الصغار من أذيال العمالة والخونة الذين أسرفوا في الاستخفاف بمشاعر أبناء وطنهم, وحاولوا على مرِّ التاريخ أن يكونوا شوكة في جسد الوطن النابض بالحياة حينما يجتمع أبناءه المخلصون تحت شعار الاسلام المحمدي الاصيل, والذي ينبغي أن يفهمه الجميع ومحبي الوطن قبل غيرهم أن شعار الوطن أصبح شعارًا سلسًا بين الاوساط المختلفة بعد أن اقتنعت القوى الكبرى التي تحاول السيطرة على المجتمع الدولي بأن تقسيم الوطن الأم إلى أوطان متعددة وسيلة ناجحة في تضعيف الامم, وكسر شوكتها, وبالتالي سلخها من المفاهيم الحقة التي كانت يوما من الأيام سبب تميُّزها وقوتها وانتصارها.
أن مفهوم الوطن بحاجة إلى مراجعة وتأمل, فالمسلمون حينما كانوا تحت راية الاسلام المحمدي الاصيل, وراية الأئمة المعصومين(عليهم السلام) كانوا ينظرون إلى الوطن غير ما نراه اليوم؛ إذ اجتمعوا على معيار غير معيارنا, ولم يحددوا اسلامهم بجنس دون آخر؛ ليكون وطنهم صغيرا؛ بل تكاملوا فيما بينهم وتقاسموا حب الوطن الذي كان من الايمان, وكانوا ينظرون إلى البلاد الاسلامية أنها حدود الاسلام وينبغي على جميع المسلمين الدفاع عنه وحفظ كرامته وتقديسه.
إننا اليوم بعد هذا التشتيت في الرؤية واستفحال مرض الغباء بين مُدَّعي الوطنية زيفا وزورا لن نجد مخرجا من هذا الابتلاء إلا بالرجوع إلى المشتركات التي كانت بين المؤمنين وأبرزها مساحة الوطن الذي ينبغي أن ندافع عنه ونحميَه من سفهاء المسلمين قبل الاعداء والخونة, وبعد البحث والدراسة يمكن لكل فرد أن يعيَ بأن قوة الاسلام الحقيقي في هذه الثلة المؤمنة التي أيقنت ضرورة البحث عن الوطن خارج الحدود التي قسَّمتها الاعداء وروَّج لها الصغار؛ فالحشد الشعبي الذي تأسس عند سماع نداء الوطن يمكن أن يكون مقياسا لمن يرغب في معرفة حدود الوطن؛ لذلك حينما تجد أن عناصر الحشد يتسابقون بحثا عن الانتصار في الساحات الاسلامية المختلفة, إنما كان ذلك عن قناعة ورؤية اسلامية يشاركهم في ذلك أخوتهم من مختلف جبهات المقاومة العراقية والايرانية واليمنية والسورية واللبنانية وغيرهم من عناصر جبهة المقاومة عبروا الحدود المصطنعة, ولبُّوا النداء حتى اختلط دمائهم المختلفة في الساحات الاسلامية المتعددة ليبقى صوتهم الثائر عبر أثير الزمن مدوِّيا بان الحشد وطنٌ لمن لا وطن له.