الخميس - 28 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


د. هاتف الركابي ||

اعتباراً من يوم العاشر من سبتمبر لن يعد Covid-19 مرضاً خطيراً اجتماعياً في الدنمارك. وبناءً على ذلك سيتم وقف العمل بجميع قيود كورونا بدءاً من ذلك التاريخ. والرجوع الى الحياة الطبيعية ماقبل كورونا ..
هكذا غردت رئيسة وزراء الدنمارك الشابة الحالمة ذات الاربعين ربيعاً( ميتا فريدركسن ) يوم الامس ..
ميتا فريدركسن ترأست خلية الازمة لوباء كورونا ، فعملت طوال سنة ونصف بلا كلل ولا ملل وتواصل غير منقطع النظير مع الاطراف ذات العلاقة حتى اوقات متأخرة من ساعات الليل ، ففي بدايات الازمة خرجت عبر التلفاز وقالت أني اراهن عليكم كشعب وأن التاريخ سيسجل أننا تجاوزنا جميعا هذه المحنة ، وفي يوم ميلاد الملكة ( مارگريتة المعظمة ) طلبت رئيسة الوزراء من الشعب ان يغنوا للملكة من الشرفات أغنية ( المحبة ) التي يحبها الشعب الدنماركي ، وخرجت بنفسها تغني تلك الاغنية ،، وبدأت خطاها بأربعة مراحل للعودة تدريجياً للحياة ، ففي أول عودة لتلاميذ رياض الاطفال والمدارس كانت ( ميتا فريدركسن ) من الصباح الباكر قد وقفت بباب احدى المدارس في كوبنهاكن تحيي الاطفال واهاليهم ؛ ثم أنشدت معهم النشيد الوطني وقد اذرفت لؤلؤاً من الدمع من عينيها ..
كنتُ اشاهدها يومياً متنقلة من مدينة الى مدينة ، ومن دولةٍ الى دولة ، ومن مقر الحكومة الى مقر البرلمان ، الى مقر الاتحاد الاوروبي ، وسافرت واشرفت بنفسها على شراء اللقاح من احدى الدول ، ثم اصدرت قراراً بتأسيس مركز اللقاحات ليكون من اكبر المراكز في اوروبا الذي سيكتمل في العام المقبل ، فكانت كسكة قطار تحملت هموم العابرين والمغادرين والوطن ..
اصدرت قرارات شجاعة وجريئة ، عوضت من خلالها اصحاب المحال والمطاعم والمقاهي والشركات ، ومنحت رواتب شهرية طوال سنة ونصف لاصحاب المهن التي توقفت اعمالهم ، واستمرت رواتب الضمان الاجتماعي لجميع افراد المجتمع ، ومنحت مبالغ لجميع العائلات كهدية ، وجعلت فحص الكورونا مجاناً واللقاحات مجاناً ..
وفي أول رفع للقيود بعد الموجة الأولى أوصت بالتباعد وقالت للشعب كلمتها المعروفة ( تذكروا أننا الان كمن يسير على الحبل ) ..
وعندما قررت خلية الازمة أخذ جرعات اللقاح ، لقحت الكوادر الطبية جميعها بالبداية و٦٥ عالم في علوم اللقاحات والكوادر التدريسية والاكاديمية وكوادر الامن والدفاع ،، ثم بدأ دور الشعب حسب العمر من الاعمار الكبيرة نزولاً للاعمار الصغيرة ،، انتظرت رئيسة الوزراء ست شهور الى ان جاء دورها حسب العمر ..
صباح اليوم الذي صادف دورها حسب العمر لتلقي جرعة لقاح ( ڤايزر ) ، دخلت مركز اللقاح ( bella center ) في كوبنهاكن مع ابنتها الصغيرة فقط التي ترافقها ولم يكن هناك لا موكب ولا كوكبة، ولا مليشيات ، ولا حمايات مدججة بالسلاح ، ووقفت مع الناس الى ان جاء دورها وتلقت اللقاح على يد طبيبة مسلمة عراقية اسمها ( هدى ) ،، ثم قالت :
وها قد حان دوري ، الحقنة الاولى المهمة ، شكراً ( لهدى ) التي اعطتني اللقاح ، ولجميع اولئك الذين يحرصون كل يوم على ان يتلقى الدنماركيون اللقاح باسرع وقت : إنه عملٌ مذهل .
ثم قالت : ( معاً نصوغ مستقبلنا ، تلك رسالتي الواضحة اليوم ، فقد نجحنا في التغلب على الوباء ، لكن يجب الا نجلس مسترخين ، الان علينا ان نتطلع الى الامام لكي نكتب الفصل الكبير من فصول الحكاية عن بلدنا الجميل واتخاذ القرارات ، نحن بدأنا الآن ).
عبرت بشعبها ووطنها الى شاطىء الامان والسلام . وأوصلت رسالة كبيرة وعميقة ذات دلالات ومعاني ومضامين وعاطفة انسانية الى الشعب عندما تلقت اللقاح على يد طبيبة مسلمة ، وكأنها تقول ( نعيش سويةً بلا أحقاد أو رتوش ) ..
وأتذكر موقفها الكبير عندما طلب منها الرئيس الامريكي ( ترامب ) شراء جزيرة ( كرينلاند ) ردت عليه الرد المعروف في كل العالم ( أنه طلب ٌ سخيف ، فليس لنا شعبٌ أو وطنٌ للبيع ) وعلى اثرها توترت العلاقات بين الطرفين حتى رضخ الجانب الامريكي ،، وهذا الموقف يذكرني بقضية شركة سيركو وكيف أن الوزراء العراقيون ورئيسهم وقعوا على التعاقد مع سيركو وتسليمهم الاجواء العراقية في سابقة خطيرة ..
اين انتم من هذه المرأة التي قادت شعبها نحو بر الامان ،، استسلمتم لمن يدعي التخصص ويوهم الشعب بعدم اخذ اللقاح ، أو يأتي شيخ أو خطيب لا يفقه ابجديات الطب ويحذر الناس بعدم اخذ اللقاح ..
ماذا فعلتم بنا،، فشلتم في كل شيء ،، فقد اصبحت الخدمات تعطى للشعب بمنّة ، والمياه بمنّة ، والكهرباء بمنّة ، وتقطعون الرواتب وترجعونها بمنّة ، وتشرعون قانون بمنّة ، وتنفذون قانون بمنّة ، وتعطون الفقراء والمساكين والارامل ونساء الشهداء مساعدات بمكرمة وبمنّة لاتكفي لسد رمق يوم واحد ..
صدعتم رؤوسنا بمواعظكم و بحديثكم وخطبكم العصماء عن الوطن والعراق والسيادة وحصر السلاح والديمقراطية وحقوق المواطن ومواثيق الشرف ، ولكنكم تحجمون عن الحديث المتعلق بقوت الشعب والحصة التموينية البائسة ، لم نسمع منكم حديثاً عن تأخر الرواتب بلا مبررات ، ولا عن مبررات رفع سعر صرف الدولار ،، ولا عن إنتهاكات السيادة التي يقوم بها الاحتلال و تركيا.. ولا عن فساد الفاسدين الذي ضرب الارض ووصل اعنان السماء ،، ولا عن المستشفيات التي باتت مكبات للنفايات ، ولا عن المدارس الآيلة للسقوط وسط اكتظاظ التلاميذ المساكين ،، ولا عن تدهور الزراعة والصناعة والطاقة وأزمة المياه مع تركيا ،، ولا عن ازمة السكن والعشوائيات وتسول النساء والاطفال في مفترق الطرق وامام القوات الامنية ،، هذا يريد الدولة برمتها ، وهذا يريد الوزارة الفلانية من حصته ..
ولكن الله يرى وغداً َوهو ليس ببعيد سنكون بين يدي الله تبارك وتعالى وعنده تجتمع الخصوم.
سئمنا كذبكم وديمقراطيتكم ..
أخسروا ما تشاءون ولكن إياكم أن تخسروا الوطن ،، فالأوطان كأحضان الامهات لاتعوض أبداً وخيانة الوطن أشد فتكاً من العدو ..