الجمعة - 29 مارس 2024
منذ سنتين
الجمعة - 29 مارس 2024


أ.د.عليّ الدلفيّ ||


تُعدُّ القيمُ والمبادئُ والأخلاقُ والأعرافُ السّاميّةُ في أيِّ مجتمعٍ هي الأساسُ لأيّ مشروعٍ نهضويٍّ عامٍّ؛ فلا تقومُ أيُّ نهضةٍ حقيقيّةٍ بدونِ أساسٍ أخلاقيٍّ وإذا كانتْ هناك أيّ مشكلاتٍ أو رياحٍ مسمومةٍ ومختلطةٍ بالحقدِ السّياسيّ فإنّها تضربُ وتنعكسُ علىٰ أصحابها؛ وتكشفُ زيفهم؛ ويظلُّ المُجتمعُ ورموزهُ وأفرادهُ بأخلاقهم وقيمهم ومبادئهم ليساهموا بنشاطٍ وفاعليّةٍ في تحقيقِ الاستقرارِ في مجتمعهم؛ ولذلك فإنّ القيمَ والمبادئ والأخلاقَ والإيمانَ باللهِ سبحانه وتعالىٰ هي طريقُ النّجاةِ والخيرِ؛ لذلكَ يجبُ التّمسّكُ بِهَا والعملُ علىٰ نشرها بينَ النّاسِ حتّىٰ لا يتحوّلَ المجتمعُ إلىٰ غابةٍ لا يمكنُ العيشُ فيهِ؛ لهذا يجبُ علىٰ الإنسانِ أنْ ينشرَ ويدافعَ عمّا يؤمنُ بهِ مِنْ مبادئٍ وقيمٍ وصفاتٍ طيّبةٍ مهما كانتِ الظروفُ قاسيةً؛ لأنّه اتّضحَ أنَّ أصحابَ المبادئِ والقيمِ والأخلاقِ والهمّةِ العاليةَِ يتسابقونَ إلىٰ ترسيخِ الوفاءِ والتّسامحِ وتكريسِ الأخلاقِ والمحبّةِ وغرسِ الثوابتِ؛ ولذلك تجدهم يشاركونَ النّاسَ في همومهم الدّائمةِ؛ ومن هنا فإنَّ هذهِ العادات الحسنة والمواقف الطيّبة تعرّي أصحابَ المنافعِ والمصالحِ الشّخصيّةِ الذين لا يعترفونَ بالقيمِ والمبادئِ؛ وتعرّفكَ بأصحابِ القيمِ والأخلاقِ والمبادئِ والثّوابتِ الإنسانيّةِ؛ بالإضافة إلىٰ أنّها تعرّفنا أيضًا معاني القيمِ الأخلاقيّةِ الإنسانيّةِ العُليا التي لا تقبلُ التّغييرَ.
إنَّ القيمَ والمبادئَ والأخلاقَ ضروريةٌ لأيّ مجتمعٍ يطمحُ إلىٰ البناءِ والرّقي والتّطويرِ، لأنّه إذا فُقدتِ تفكّكَ المجتمعُ وانهارَ بناؤهُ وتهشّمتْ أسسهُ.
وهنا يجب أنْ نعرفَ أنَّ الدعوةَ للتمسكِ بالأخلاقِ والقيمِ والمبادئ والأعرافِ السّاميّة لا يعني التخلّي عن العملِ الجادِّ الذي يساهمُ في تقدّمِ البلادِ وتطويرها؛ ولكنّها دعوة للعملِ المؤسّسِ القائمِ علىٰ القيمِ والمبادئ؛ حتّى يكونَ هناكَ توازنًا بينَ العلاقاتِ الماديّةِ والروحيّةِ؛ وبينَ العملِ والإتقانِ في جميعِ المجالاتِ؛ وبغيرِ هذا تتحوّلُ المجتمعاتُ إلىٰ مجتمعاتٍ كسولةٍ واتكاليّةٍ لا تعتمدُ علىٰ العلومِ والتكنولوجيا؛ لذلكَ فإنّ التقدّمَ العلميّ لا بُدَّ أنْ يقابلهُ تقدّم أخلاقيّ حتّى لا تحدثُ مشكلاتٌ في المجتمعِ تؤثّرُ في جميعِ مكوناتهِ؛ وحتّى لا يكونَ هناكَ انتشارٌ للظلمِ؛ والاستبدادِ؛ واستغلالِ النفوذِ؛ وسلبِ الحقوقِ والحريّاتِ؛ إنَّ الحديثَ عن المبادئِ والاخلاقِ؛ والقيمِ الدّينيّةِ والوطنيّةِ والانسانيّةِ يحتاجُ إلىٰ عملٍ يجسّدُ قيم الوفاءِ والمحبّةِ التي لا تربطها المصالح الشّخصيّة؛ وهذا يتمثّلُ في الأزماتِ السّياسيّةِ الحادّةِ التي مررنا بها مُنْذُ (٢٠٠٣) فَقَدْ بيّنتْ تلكَ الأزمات معدنَ الشّخصياتِ والنّاسِ الأوفياءِ للمبادئِ والقيمِ الإنسانيّةِ والوطنيّةِ والعقائدِ الرّوحانيّةِ والشّعائرِ الدّينيّةِ؛ وَكَشَفَتْ أصحابَ المنافعِ والمصالحِ الشّخصيّةِ الذين لا يؤمنونَ إلّا بمصالحهم الشّخصيّة والذّاتيّة؛ لذلكَ كانَ أصحابُ المبادئِ والقيمِ الدّينيّةِ والوطنيّةِ والإنسانيّةِ نجومًا بارزةً في سماءِ الوطنِ؛ وسقط كلُّ مَنْ كانَ لا علاقةَ لَهُ بالقيمِ الدّينيّةِ والوطنيّةِ والإنسانيّةِ؛ وظلّ يجري وراءَ منفعتهِ ومصلحتهِ الشّخصيّةِ مِنْ أجلِ تحقيقِ رغباتهِ العدوانيّةِ فقط. لهذا القرآنُ الكريمُ باعتبارهِ (قطبَ رحَىٰ بيئتنا المعرفيّةِ ومركزَ الدائرةِ ومصدرَ الثّقافةِ العربيّةِ والإسلاميّةِ) بيّنَ أهمّيّةَ الأخلاقِ بوصفها قاعدةً أساسيّةً يأخذُ منها وتُبنىٰ عليها جميع الأحكامِ والقوانينَ، فهي قاعدةُ البناءِ الرّاسخةِ التي تقومُ عليها مبادئ الإنسانيّةِ؛ فالأخلاقُ درعٌ واقٍ مِنَ العواصفِ التي تتسبّبُ في انهيارِ المُجتمعِ؛ أو تحويلهِ إلىٰ مُجتمعٍ تحكمهُ الغرائز والشّهوات؛ وتسودُ فيهِ قوانين الغابةِ، وهي؛ أيضًا؛ أساسُ صلاحِ المُجتمعِ، ووسيلةٌ رادعةٌ لمحاربةِ الفسادِ والانحرافِ؛ لذلكَ أصبحَ مِنَ الضّروري إعلاءُ منظومةِ القيمِ في مجتمعنا؛ وتعاملاتنا السّياسيّةِ والاقتصاديّةِ والإنسانيّةِ. لهذا أصبحَ هناك ضرورة لمراجعةِ قيمنا الوطنيّةِ والإنسانيّةِ لنتعرّفَ علىٰ ما بقي منها؛ وعلىٰ ما تعرّضَ للاختلالِ والعبثِ من أجلِ أنْ نعيدَ المكانةَ لمكارمِ الأخلاقِ؛ ولتقويةِ أواصرِ المحبّةِ والوفاءِ؛ ونبذِ الكراهيّةِ والحقدِ والبغضاءِ؛ ولعلّ هذهِ المهمّة أجدها سببًا من أسبابِ الأزمةِ السّياسيّةِ التي تعصفُ بنا والتي تحتاجُ من أبناءِ الشّعبِ الواحدِ الوقوفَ أمامها؛ وإزالةَ آثارها السّلبيّةِ العميقةِ التي أحدثتْ شرخًا اجتماعيًّا شديدَ الخطورةِ في المجتمعِ؛ وعلىٰ مستقبلِ الأجيالِ القادمةِ؛ وليس عيبًا أنْ نناقشَ هذهِ القضايا؛ بل إنّ مناقشتها أصبحَ ضرورةً من أجلِ تأمينِ مستقبلِ الأجيالِ القادمةِ.