سورة الرعد في تفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي دام ظله
محمد شرف الدين ||
مكّيّة و عدد آياتها مائة و ثلاث و أربعون آية سورة الرّعد
محتوی السّورة
كما قلنا سابقا، بما انّ السور المكيّة كان نزولها في بداية دعوة النّبي صلّی اللّه عليه و آله و سلّم و أثناء محاربته للمشركين، فإنّها غالبا ما كانت تتحدّث عن المسائل العقائدية و خصوصا الدعوة الی التوحيد و المعاد و محاربة الشرك. في الوقت الذي نری فيه أنّ السور المدنية نزلت بعد انتشار الإسلام و قيام الحكومة الاسلامية، فقد تناولت الأحكام و المسائل المتعلّقة بالنظام الاجتماعي و احتياجات المجتمع.
فهذه السورة (سورة الرعد) التي هي من السور المكّية لها نفس الخصائص السابقة، فبعد ما تشير الی احقّية القرآن و عظمته، تتطرّق الی آيات التوحيد و اسرار الكون التي هي من دلائل ذات اللّه المقدّسة. فتارة تتحدّث عن رفع السّماوات بغير عمد، و اخری عن تسخير الشمس و القمر، و مرّة عن مدّ الأرض و خلق الجبال و الأشجار و الثمار، و مرّة عن ستار الليل المظلم الذي يغشي النهار.
و مرّة اخری تأخذ بأيدي الناس و تنقلهم الی جنّات النخيل و الأعناب و الزروع، و تحصي لهم عجائبها.
ثمّ تتطرّق الی المعاد و بعث الإنسان من جديد و محكمة العدل الالهي، و هذه المجموعة من اصول المبدإ و المعاد تكمل ما أوضح من مسئولية و وظائف الناس و انّ اي تحوّل في قضاياهم المصيريّة يجب ان يبدأ من داخل أنفسهم.
ثمّ تعود مرّة اخری الی فكرة التوحيد، و تسبيح الرعد و خوف الناس من البرق و الصاعقة، و سجود السّماوات و الأرضين في مقابل عظمة الربّ. و لأجل ان تتعقّل القلوب و الأسماع و توقظ الأفكار، و لإيضاح انّ الأوثان ليس لها اي ميزة او فائدة، تدعوهم الی التفكّر و التعلّم، و تضرب لهم الأمثال لمعرفة الحقّ من الباطل. الأمثال الحيّة و القابلة للإدراك.
و من هنا فالحصيلة النهائية للايمان بالتوحيد و المعاد هي تلك التطبيقات العملية و الحيّة لها، فالقرآن في هذه السورة يدعو الناس الی الوفاء بالعهد و صلة الأرحام و الصبر و الاستقامة و الإنفاق في السرّ و العلانية و النهي عن الانتقام.
و يوضّح لهم انّ الدنيا فانية، و الطمأنينة و الراحة لا تحصلان الّا في ظلّ الايمان باللّه.
و في النهاية يأخذ بأيدي الناس و يغور بهم في اعماق التاريخ، و يريهم العواقب السيّئة للذين طغوا و عصوا و ابعدوا الناس عن الحقّ، و يختم السورة بتهديد الكفّار بعبارات و جمل لاذعة.
اذن فالسورة تبتدئ بالعقائد و الايمان و تنتهي بالبرامج التربوية للإنسان
ـــــــ