الجمعة - 19 ابريل 2024

دور المنظمات الدولية الإقليمية في صنع السلام في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا/ 1

منذ سنتين
الجمعة - 19 ابريل 2024


ضحى الخالدي ||

دراسة مقارنة بين الاتحاد الاوروبي ومجموعة الآسيان، ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
ورقة بحثية مقدمة الى معهد أبرار معاصر للدراسات الإستراتيجية- طهران/ آب 2021
اسم الباحث: ضحى الخالدي- العراق
الملخص:
تنص المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة على أن ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي طالما يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.
وعلى هذا الأساس يفترض أن تلعب المنظمات الدولية الإقليمية دوراً بالغ الأهمية والأثر في عملية صنع السلام خلال النزاعات، وفي مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المشتركة بين بلدان المنطقة.
تقدم الورقة البحثية دراسة مقارنة بين أربعة نماذج هي: الاتحاد الاوروبي في أوروبا ومجموعة الآسيان في جنوب شرق آسيا، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في دول آسيا وأفريقيا وأوروبا، ، للوقوف على أوجه النجاح، وأطوار الإخفاق والفشل، وتحديد مواطن التشابه والاختلاف، من أجل استنباط الدروس وتلبية ما تحتاجه منطقتنا من مطالب واقعية لخدمة حاضرها وازدهار مستقبلها.
ولذا قُسِّمَت الى أربعة مباحث، تناول المبحث الأول انموذج الاتحاد الأوروبي وأهم التجارب المستنبطة، فيما تناول المبحث الثاني مجموعة الآسيان ونهضة نمور آسيا، أما المبحث الثالث فقد خُصِّصَ لمناقسة نجاحات وإخفاقات تجربة مجلس التعاون الخليجي، ويبحث المبحث الرابع في تاريخ منظمة التعاون الإسلامي؛ يلي ذلك جملة من الاستنتاجات، والتوصيات.
المقدمة:
تنص المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة على أن ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.1
وعلى هذا الأساس يفترض أن تلعب المنظمات الدولية الإقليمية دوراً بالغ الأهمية والأثر في عملية صنع السلام خلال النزاعات، وفي مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المشتركة بين بلدان المنطقة.
ومن المثير للدهشة أن منطقة كغرب آسيا وشمال إفريقيا، والتي تحتضن عدداً كبيراً من المنظمات الدولية الإقليمية التي تضم بلدان هذه المنطقة، والتي تشترك بروابط عدة منها الدين واللغة والتأريخ و الجغرافيا والمصالح المشتركة ، إلا أن هذه المنظمات فشلت في خلق بيئة سلام تشاركية تعاونية بين بلدان المنطقة إن على المستوى الأمني، أو على المستويين الاقتصادي والثقافي؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تنبثق حتى اليوم سوق عربية مشتركة، أو إلغاء لتأشيرة الدخول بين الدول العربية، أو تقبّل للاختلاف المذهبي، أو تأمين للحدود المشتركة من تسلل الإرهابيين بل لاحظنا العكس عبر تصدير الفكر التكفيري والمنظمات الإرهابية وتمويلها كما في العراق وسوريا وليبيا، وشنّ العدوان على الأشقاء كما في اليمن, ودعم العدوان، والاستعانة بالآلة الحربية الأميركية لتدمير بلدان المنطقة وتسليم ثرواتها للخزانة الأميركية، والسكوت والنكوص أمام انتهاك سيادة البلدان وتهديد أمنها السياسي والجغرافي والمائي كما في الاحتلال التركي للأراضي العراقية والسورية، فيما فشلت في تقريب وجهات النظر وحلحلة الأزمات كما في الحرب العراقية- الإيرانية، والأزمة العراقية- الكويتية، والحرب الأهلية اللبنانية، والحرب على اليمن، والأوضاع في الصومال والسودان، والأزمة القطرية- السعودية، ومؤخراً الأزمة السعودية- الإماراتية في أوبك، وفي مقدمة الأزمات والقضايا التي فشلت دول المنطقة في اتخاذ موقف موحّد إزاءها هي القضية الفلسطينية.
وللمفارقة فإن منظمات دولية إقليمية في أوروبا وآسيا نجحت –الى حد كبير- في خلق بيئة تدعم إقرار السلام والانخراط في مجالات الدفاع المشترك وحل النزاعات والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتوحيد العملة والتأشيرة –الفيزا- رغم أنها حديثة عهد بالنزاعات والحروب الطاحنة كما في الاتحاد الأوروبي، ومجموعة الآسيان، فيما فشلت المنظمات العربية والإسلامية في أن تُجمِع على أمر واحد، وتساهم في حل مشكلة من مشكلات المنطقة، كما هو الحال مع منظمة التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
ولذا قُسِّمَت الورقة البحثية الى أربعة مباحث، تناول المبحث الأول انموذج الاتحاد الأوروبي وأهم التجارب المستنبطة، فيما تناول المبحث الثاني مجموعة الآسيان ونهضة نمور آسيا، أما المبحث الثالث فقد خُصِّص لمناقشة نجاحات وإخفاقات تجربة مجلس التعاون الخليجي، و يبحث المبحث الرابع في تاريخ منظمة التعاون الإسلامي، ؛ يلي ذلك جملة من الاستنتاجات، والتوصيات.
المبحث الأول:
الاتحاد الأوروبي EU.. أهم التجارب المستنبطة
بدأ الاتحاد الاوروبي كمشروع اقتصادي بمبادرة فرنسية بعد العام 1950، اقتصر في البداية على ست دول، ومن ثم توسع ليضم 27 دولة حالياً بعد خروج بريطانيا منه، فيما كانت أوكرانيا آخر من انضم إليه في العام 2013.
يضم الاتحاد الأوروبي حوالى 450 مليون نسمة، واعتمدت 19 دولة فيه اليورو كعملة موحدة، ومقره بروكسل عاصمة بلجيكا؛ تأسس في العام 1993 بناءً على اتفاقية ماستريخت كاتحاد سياسي اقتصادي، ويعتبر من أكبر التكتلات الاقتصادية والتجارية في العالم بنسبة 20% تقريباً من التجارة العالمية، معتمداً مبدأ (الحريات الأربع) التي تقضي بتمكين الأفراد والسلع والخدمات ورأس المال.2
لا يمكن الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي إلا من قبل البلدان التي تكفل حقوق الانسان كحق الحياة والكرامة الشخصية وحرية الفكر والتعبير والمساواة والإدماج والديموقراطية وسيادة القانون.
يُنفَق حوالى 86% من ميزانية الاتحاد الأوروبي على النمو وفرص العمل والقدرة التنافسية والتماسك الإقليمي والسياسة الزراعية، ويركز جدول النمو على التعليم والبحث والابتكار والبنية التحتية وتعزيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 47%، وتستحوذ الزراعة وصيد الأسماك والتنمية الريفية والسياسة البيئية على 39% من ميزانية الاتحاد الأوروبي لضمان الأمن الغذائي العالي بكميات كبيرة عالية الجودة دون استغلال جائر للموارد الطبيعية، وتبلغ نسبة ما ينفق على السياسة الخارجية 6%، ونسبة الإدارة 6% أيضاً، ويعتمد تمويل الاتحاد الأوروبي على حصة تبلغ 0.7% من الناتج المحلي للدول الأعضاء، وعلى رسوم الاستيراد وضريبة القيمة المضافة وإسهامات دول من خارج الاتحاد كالنرويج.
يتمتع مواطنو الاتحاد الأوروبي بتأشيرة شنغن التي تتيح لهم السفر والتنقل بين دول الاتحاد دون جواز سفر، في قارة متعددة الأديان والمعتقدات (المسيحية، الإسلام، اليهودية، الملحدون واللادينيون) والمذاهب (الكاثوليك، البروتستانت، الأرثذوكس) والأعراق (الآريون، الغال، السلاف، …إلخ.) واختلاف اللغات، وتباين المستويات الاقتصادية بين دول كبرى غنية مثل (ألمانيا) وأخرى متوسطة (كإيطاليا) وثالثة فقيرة (كاليونان) والذين سببت لهم هذه الاختلافات والتباينات حروباً طاحنة استمرت لقرون تخللتها فترات قصيرة من الاستقرار المشوب بالحذر والتوجّس؛ إلا أن الدول الأوروبية المنضوية في هذا الاتحاد أدركت أهمية الوحدة والتكامل الاقتصادي في صنع مصير أفضل لشعوبها، وأصبحت تجربته مَثار إغراء لدول أخرى للانضمام إليه مثل تركيا، التي يحول ملف حقوق الانسان دون دخولها إليه من بوابته العريضة، وهو ملف شائك يجمع بين ما هو حق طبيعي للانسان السويّ، وبين ما هو خرق لطبيعة الشعب التركي المسلم بغالبيته، رغم الدستور التركي العلماني و قوانين البلاد العلمانية.
نشأ الاتحاد الأوروبي في باكورته كمبادرة للسلام بعدما يسمى بالحربين العالميتين اللتين دمرتا أوروبا خلال نصف قرن، فوضع أسسه وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان، والمستشار الألماني كونراد أديناور ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل بناءً على أن التعاون الاقتصادي الوثيق والمستدام سيجعل الدول الأوروبية مترابطة لدرجة أنها لن تتمكن من محاربة بعضها البعض.
من معاهدة باريس 1951 وحتى توقيع معاهدة ماستريخت 1992 (الوثيقة الأساس) تأسست العديد من المؤسسات كالجماعة الأوروبية للفحم الحجري والصلب (لاحظ أهمية هذا المورد الطبيعي الشائع في أوروبا كمصدر للطاقة والبناء، وكعامل أساسي في صناعة الأسلحة، يقابله النفط والغاز في منطقة غرب آسيا) و الجماعة الاقتصادية الأوروبية التي وضعت أسس السوق الأوروبية المشتركة، والجماعة الأوروبية للطاقة الذرية، والبرلمان الأوروبي (السلطة التشريعية)، والمفوضية الأوروبية (السلطة التنفيذية).
حقق الاتحاد الجمركي بين دول الاتحاد الأوروبي زيادة في التبادل التجاري البيني وصلت الى 600% خلال الإثنتى عشرة سنة الأولى.
انسحبت المملكة المتحدة مؤخراً من الاتحاد الأوروبي بناءً على استفتاء عام 2016، فيما تطمح دول مثل تركيا وصربيا والجبل الأسود للانضمام إليه وتجري مفاوضات حثيثة مع الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد. أما الدول الأعضاء فيه حالياً:3
ألمانيا النمسا فنلندا بولندا
فرنسا بلغاريا اليونان البرتغال
إيطاليا كرواتيا هنغاريا رومانيا
هولندا قبرص آيرلندا سلوفاكيا
بلجيكا التشيك لاتفيا سلوفينيا
لوكسمبورغ الدنمارك ليتوانيا إسبانيا
السويد إستونيا مالطا

أثر ازدياد الاعتماد المتبادل في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية بين دول الاتحاد الأوروبي على نهجها وتعاملها حتى مع ملفات السياسة الخارجية، فرغم وجود تعاون عسكري وأمني بين دول الاتحاد الأوروبي إلا أن تعاطي الاتحاد الأوروبي مع العامل العسكري دولياً (خارج الاتحاد الأوروبي) قد انخفض بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها أكثر من 60 مليون ضحية من الشعوب الأوروبية، وهذا ناتج عن تأثير السياسة الداخلية على السياسة الخارجية، والتي تتأثر بشكل كبير بهذا التداخل السياسي- الاقتصادي بين دول الاتحاد.4
وعلى العكس من الدول العربية التي دخلت سباق التسلح منذ ثمانينيات القرن الماضي، واستشرى اندفاعها في هذا المجال بعد دخول الألفية الثالثة، نجد أن منطقة الاتحاد الأوروبي قد دخلت منذ اتفاقية باريس 1951 مرحلة من السلام والتعاون والازدهار الاقتصادي لم تشهدها القارة الأوروبية في كل تأريخها، وأصبحت تبحث عن تطوير علاقاتها الاستعمارية بقارات آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية لتجد لها موطئ قدم أمام صعود الأقطاب السياسية والاقتصادية والعسكرية الكبرى في العالم متمثلة بأميركا والصين وروسيا واليابان.5
فدخل الاتحاد الأوروبي فاعلاً رئيسياً في الاتفاق النووي الإيراني (5+1) علماً أنه كان يحتل المرتبة الرابعة في التبادل التجاري مع إيران عام 2012 بعد الصين والإمارات وتركيا، بحجم بلغ 12.8 مليار يورو؛ إلا أن فرض الحظر على إيران أثّر على هذا التبادل بشكل كبير.6
وتستقبل دول الاتحاد الأوروبي عدداً كبيراً من اللاجئين العراقيين والسوريين لاسيما ألمانيا، وكذلك اللاجئين الأفغانيين الذين أعلنت ألمانيا وهولندا وفرنسا تعليق عمليات ترحيلهم الى أفغانستان نتيجة الظروف غير الانسانية الناجمة عن سيطرة تنظيم مسلحي طالبان على معظم أراضي البلاد مع انسحاب قوات الاحتلال الأميركي.7 ناهيك عن تخصيص ما يقرب من 57 مليون يورو كمساعدات انسانية طارئة لأفغانستان عام 2021. 8
يذكر أن الاتحاد الأوروبي لم يلعب دوراً إيجابياً خلال الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة في تسعينيات القرن العشرين وهي البلد الأوروبي الذي يقع على تخوم بلدان الاتحاد، وانضمت كرواتيا –إحدى دول الاتحاد اليوغسلافي المستقلة الى الاتحاد لاحقاً-، ولعبت بعض دول الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة دوراً أساسياً في التعتيم على جرائم الصرب ضد المسلمين في البوسنة والهرسك، كما أشارت تقارير الى تورط هذه الدول في قضايا تجارة الرقيق الأبيض خلال سنوات الحرب، وما بعدها، ويعتبر الكيان الصهيوني مرتعاً لاجتذاب الرقيق الأبيض وازدهار تجارة الدعارة، ووفق تصريحات الميجور يوسي سيدبون قائد لواء تل أبيب في عام 2005، فقد ارتفع عدد النساء الأجنبيات اللواتي أجبرن على ممارسة البغاء من 2000 إمرأة في عام 2001 الى 3200 في عام 2005، بواقع 30% منهن ينتمين الى دول البلقان والاتحاد السوفييتي السابق، وبلغ عدد الأطفال البوسنيين الذين بيعوا أثناء الحرب 12 ألف طفل.9