قادة الظل من بني فارس ودورهم الكبير في الإسلام
د بلال الخليفة ||
في كل زمان توجد قيادات تعمل بالخفاء وجل همها إعلاء صوت الدين والإسلام وحيث بذلت جهدها وأيامها في سبيل ذلك ولا تهتم ان تصنع مجدا لها بل الاهتمام في صناعة مجد للامة الإسلامية والأمم المظلومة التي تعيش حالة الضياع والحرمان.
عند نشوء الدولة الإسلامية بعد البعثة النبوية، كان يوجد في ذلك الزمان حضارتين وإمبراطوريتين عملاقتين وهما الإمبراطورية الفارسية والحكم الساساني والإمبراطورية البيزنطية في شمال غرب الجزيرة العربية أي في اليونان والشام، يوجد فرق كبير بينهما من حيث التعامل مع الدين الإسلامي، فالأمة الإيرانية اندمجت وذابت في الإسلام ورفت لواءه ميدانيا وثقافيا، على العكس من الثانية، الحضارة البيزنطينية حيث انكفأت على نفسها ولم تتقبل الإسلام بل عملت على محاربته لتقويضه.
إيران وفارس” اسمان استعملا للدلالة على قطر واحد، ولكنهما ليسا مترادفين تماماً، فلما هاجرت الأقوام الآرية من موطنها الأصلي جنوبي بحر الآرال إلى الهضبة المرتفعة الواقعة أسفل بحر قزوين، سموا الموطن الجديد “إيران” ومعناها “موطن الآريين”.
كان للامة الإيرانية دور كبير في المجالين العسكري والثقافي، المجال الثقافي واضح جدا وحيث تصدر العلماء الإيرانيين ساحات العلم والمعرفة الإسلامية والمحل الان غير معني بذلك، لكن بالمقابل يوجد قادة عسكريين عظام عملوا بالخفاء وكجندي مجهول في سبيل اعلاء الدين الإسلامي ومنذ بداية الدين الإسلامي والى الان، لانهم كانوا يملكون من الفكر والثقافة العالية وكان لهم دور العقل في كثير من الحركات والدول ومنها في دعم حركة العباسيين ضد الامويين، حيث أثبتت مصادر أن القوة الضاربة في هذه الدعوة كانت تتكون من سكان خراسان وان العقل المدبر في الحركة هو أبو مسلم الخراساني للانتقام من ظلم وجور الامويين. حيث اختار القائد الخراساني مدينة مرو في عام 129 هجرية مكان لتجمع محبي ال البيت وإعلان الثورة.
وكذلك في دولة السلاجقة التي هي دولة هجينة بين الترك والفرس، عضلاتها تركية وعقلها فارسي. أيامها انتشرت مقولة: “تركي بلا فارسي، قبعة بلا رأس”.
ولنأتي على بعض منهم:
1 – سلمان المحمدي (الفارسي)
من عيون صحابة رسول الله (ص) ومن خواص أصحاب أمير المؤمنين (ع) ومواليه. حيث قال عنه النبي (ص): سلمان منّا أهل البيت. كان يسمّى أيضاً: سلمان المحمدي، وسلمان الخير. يحظى بمكانة مرموقة عند المسلمين بجميع مذاهبهم وفرقهم. وقد أجمعت كلمة الباحثين والمؤرخين على أصوله الإيرانية وإن اختلفوا في موقع مولده. كان اسمه (روزبه) أو (ماهو) وسمّاه رسول الله (ص) سلمان.
فكان نعم الناصر والمستشار والصديق للنبي الاكرم ولا ننسى دورة العسكري الذي حدث في معركة الخندق، ففيها إلتقت الكثافة العددية لجيش العدو بالقلة العددية لجيش المسلمين، وهو الذي أشار عليه بحفر الخندق حول المدينة المنورة للدفاع عنها أمام جيش قريش، وحلفائها. حيث كان الفرس يحفرون الخنادق للدفاع في الحرب، فقال سلمان: «يا رسول الله كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا»، حيث ان العراب لا يملكون تلك الخبرة الكبيرة في الحروب وحصار المدن.
2 – كيسان ابي عمرة
وهو قائد حرس المختار الثقفي في الكوفة وصديقة المقرب ومستشارة الخاص والمطلع على اسرارة، كان إلى جانب المختار وشارك في قتال قتلة الإمام الحسين بن علي ومن أبرزهم الشمر بن ذي الجوشن وعمر بن سعد قُتل من قبل خيالة جيش مصعب بن الزبير في معركة المذار بالقرب من الكوفة عام 67 هـ ومعه مجموعة من الموالي بعد أن أمرهم أحمر بن شميط بالترجل عن جيادهم والنزول إلى ساحة المعركة وقد قتله عباد ابن الحصين قتل سنان بن انس النخعي بمدينه بالقرب من الكوفة، حاول قتل حرمله لكن حرمله قتل آبنه حيدر وامرأته شيرين، حاول الذهاب إلى الطف ليساند الحسين بن علي لكنه أضاع الطريق . كان كيان (كيسان) العقل الثاني للمختار والجندي والقائد الخفي في حركة القيام الخالدة.
3 – الحسن بن الصباح
لقب بـ السيد و شيخ الجبل ( ايران، اواسط القرن 11 – قلعة ألموت، ايران، 23 مايو 1124 )، مؤسس جماعة الحشاشين فى إيران ( 1090 ) فى قلعة ألموت الجبليه اللى عملها مقر لقيادته. أبوه كان ينتمي للمسلمين الشيعه الاسماعيلية فى الكوفه فى العراق و هاجر الى ايران. كانت ولادته في مدينة مرو او فى مدينة قم التى كانت معقل للشيعه الاثنى عشريه. ثم انتقلت عائلته إلى الري مركز نشاطات طائفة الإسماعيلية وعمره 17 سنة.
وخرج الحسن بعد ذلك إلى مدينة أصفهان في سنة 467هـ/1075م فأقام بها سنتين يشتغل بالدعوة، ثم خرج منها إلى مصر التي وصلها في الثلاثين من أغسطس سنة 471هـ/1079م، وقد استقبله بها داعي الدعاة “أبو داؤود” استقبالا حافلا شاركه فيه جماعة من النبلاء والأعيان الفاطميين، وبقي في مصر سنتين ثم رجع مرة أخرى الى أصفهان في ذي الحجة سنة 473هـ/1081م.
تنقل الصباح داخل إيران مستكشفا لها لمدة تسع سنوات، ثم قرر نشر الدعوة منطلقًا من إقليم الديلم ومازندران، حتى استقر في منطقة دامغان وحوّلها إلى قاعدة للدعوة الإسماعيلية، يبعث منها الدعاة إلى المناطق الجبلية لجذب الناس إلى هذه الدعوة، واستمر على ذلك لمدة 3 سنوات حتى أصبح خطرًا داهمًا على الوجود السلجوقي في إيران، وقد اتخذ الوزير نظام الملك الطوسي قرارًا باعتقال ابن الصباح. فاتخذ من قلعة ألموت المنيعة (هي الوه اموت – وتعني عش النسر) مركزا له ولاتباعة. وهذه القلعة كانت حصنًا قديمًا فوق صخرة عالية في منطقة وعرة وسط الجبال على ارتفاع ستة آلاف متر أو يزيد، وقد بُنيت بطريقة شديدة الإحكام، فليس لها إلا طريق واحد فقط للوصول إليها؛ مما يصعّب على الغزاة اقتحام هذه الطريق الوعرة، ولم يعرف على وجه الدقة أول من بنى هذه القلعة،
ظل الحسن الصبّاح في هذه القلعة الحصينة بقية حياته، فلم يخرج منها طوال 35 عامًا حتى وفاته، وكان جل وقته يقضيه في القراءة والمطالعة، والتخطيط لنشر الدين، ومراسلة الدعاة وتجهيز الخطط، وكان همّه الأول والدائم كسب الأنصار والمؤيدين الجدد، والسيطرة على القلاع والبقاع الجديدة التي تسهم -هي الأخرى- في توسيع النفوذ الباطني في تلك النواحي.
ان الدهاء والعبقرية التي يمتلكها الحسن، قل نظيرها بالتاريخ، فاستطاع ان ينجوا من عدة حروب قامت بها الدولة السلجوقية للقضاء على حركته وحصار قلعة الموت عدة مرات، حيث وصل الحصار الى ثمان عشر شهرا دون ان يتمكنوا من فتح وقتل الحسن، فهو قائد عسكري قل نظيرة بالتاريخ واستطاع ان يؤسس دولة استمرت الى مجيء المغول .
4 – الجنرال سليماني
كان عسكرياً إيرانياً وقائداً لفيلق القدس من 1998 خلفاً لأحمد وحيدي حتی استشهاده، وقبلها كان المدافع عن الإسلام والتشيع ضد الهجوم البعثي الغربي في حرب الخليج الأولى المفروضة من الطاغية صدام. كان الشهيد الكبير الجنرال قاسم سليماني نشطا في العديد من الصراعات في بقية أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة في العراق والشام، مع الحفاظ على مستوى منخفض. وكانت أساليبه مزيجا من المساعدة العسكرية للحلفاء الأيديولوجيين والدبلوماسية الاستراتيجية الصعبة، وفي أحيان يكون هو راس الحربة وجندي ميداني في الحروب، كما في حرب عام 2006 التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان وكذلك حرب داعش في العراق والشام.
أ – دور الجنرال سليماني في حرب تموز
إن “سليماني کان واحدا من الموجودین مباشرة في غرفة العملیات المرکزیة لتلبیة الحاجات الطارئة والملحة ولإعطاء الرأي في بعض الخطط العسكریة التي تواکب مواجهة العدو”. وذلك لانه کان یمتلك رؤیة استراتیجیة سیاسیة إضافة إلی الرؤیة الاستراتیجیة العسكریة. اذ انه أبى أن يغادر لبنان في عز المعارك وفي أشد الحروب التي كانت على لبنان، حيث انه كان شريكاً كاملاً في تحرير لبنان في الخامس والعشرين من مايو عام 2000، وكان دائماً إلى جانب المقاومة في لبنان” بل هو أحد أسباب الانتصار على إسرائيل.
ب – دوره في حرب داعش
الاسم الأبرز في الصراع مع الاستكبار العالمي، وفي مواجهة آلته السوداء الدموية المسماة بداعش. جمع الشهيد سليماني في عمله بين الأبعاد العسكرية الجهادية والدبلوماسية والمعنوية والإنسانية، هو الذي يرتدي سترة القتال وخوذة الحرب ويحضر في الخطوط الأمامية، وهو نفسه ذاك الإنسان الذي كان يوصل الدواء والمواد الطبيّة والتجهيزات إلى بلاده المحاصرة اقتصادياً، وإلى أولئك الذين حاصرهم الإرهابيون في العراق وسوريا.
لقد وضع مع مسؤولين عراقيين خطة لمواجهة خطر تنظيم داعش فور سقوط بعض المحافظات العراقية، تقضي أولا بتأمين بغداد و”تثبيت” حزامها، خشية أن يعمد مقاتلو التنظيم، ثم شارك الحشد خطوة بخطوة وجنبا الى جنب في معاركة لأجل تحرير الأراضي التي سيطر عليها داعش الإرهابية، فهو يتقدمهم ساعة ويتصل بهم ويشحذ الهمم ساعة أخرى ويضع الخطط ويراقب تنفيذها ايضا.
ج – دورة في فلسطين
من الواضحات جدا الدور الكبير الذي قام به الشهيد في دعم وتمويل وتدريب وتسليح مختلف الفصائل الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يؤكّد جديّة سليماني وقوّة القدس وإيران في محاربة “إسرائيل” وقتالها ودعم المقاومة.
استطاع ان يوصل السلاح والمال، بل ويوصل تكنولوجيا الطائرات الصواريخ (منها صاروخ عياش، حيث كان مدى الصاروخ 250 كم) التي شاركت في استهداف بطاريات القبة الحديدية التي تحولت إلى قبة من الورق، ولي ذراع اسطورة اقوى جيوش المنطقة. حتى قال الفلسطينيون إنكم أيها الإيرانيون شركاء في هذه الانتصارات وأشكركم على دعمكم ونحن نقدر ذلك.
د – دوره في اليمن
ظهر جليا دور الشهيد سليماني في الدعم المتنوّع للأبطال في اليمن، حيث تولى الشهيد سليماني الإشراف على تدريب مقاتلي الحوثيين، داخلياً من خلال إرسال الخبراء إلى اليمن، وخارجيا من خلال ابتعاثهم إلى إيران ومناطق أخرى، كما أشرف سليماني على تزويد مقاتلي الحوثيين بالأسلحة الحديثة وتقنيات متقدمة ساعدتها في تطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة والألغام والمتفجّرات.
إلى جانب ذلك عمل الشهيد سليماني على مساعدة الحوثيين في إعداد الخطط العسكرية والعمليات العسكرية المختلفة، سواء داخل الأراضي اليمنية أو خارجها.
• الخلاصة
الجنرال القائد سليماني كان مستشار وقائدا ميدانيا في اول لحظة تعرض العراق فيها للخطر وكان مساندا للقوات الأمنية وعلى راسها الحشد بالعتاد والخبرة. بل انه مناصر لكل مظلومي المنطقة من قبل الاستكبار العالمي، حتى اصبح اسطورة في القيادة والتخطيط، حتى اصبح رمز الثورية والشجاعة وايقونة التضحية والفداء ورمز الإخلاص لله والسير على نهج الحسين عليه السلام.
ان لكثرة الحروب التي خاضها ضد الاستكبار والظلم، لقبة السيد الولي بالشهيد الحي، وبالفعل نال الشهادة التي سار اليها منذ امد طويل.
وبالختام نقول فيه كما قال النبي الاكرم عن سلمان (سليماني منا اهل العراق)
ــــــــــ