الإتكاء على مجد الآباء
مالك العظماوي ||
يبدو أن ظاهرة وراثة الأبناء لمجد آبائهم لا تختص في مجتمع دون آخر، ولا شريحة دون أخرى. وتكاد تتساوى الإتكالية والأنا والإنغماس في ملذات الدنيا بين بني البشر إلا ما ندر .
ولدينا كثير من الشواهد في التاريخ لكثير من الأبناء الذين وجدوا مجداً واسعاً ورثوه عن آبائهم، وهم في حقيقة الأمر بعيدون كل البعد عن ما بناه الآباء، بل لم يكونوا يحلمون بمثل هذه الفرصة وهذا الظرف المؤاتي والمهيأ لهم، لكن رحيل الآباء عن هذه الدنيا على حين غرة، ولوجود الأتباع المؤدلجين لا شعورياً، فتح الأبناء عيونهم على نعيم وملك لا يبلى!
فعند رحيل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري المفاجيء، وهو السياسي المخضرم والمدعوم من جهات إقليمية ودولية، وزعيم حزب وله أتباع كثيرون يفتقدون لراعٍ لهم في خضم التنافس الطائفي هناك، إنفتحت مغاليق السماء والأرض لولده سعد الحريري، والتف حوله الأتباع وأصبح القائد الأوحد بعدما كان لا يدور بخلده يوماً مثل هذا الحال.
وقد أسست شريحة العشائر عندنا في العراق هذا النهج وعدته دستوراً لها، إذ أجمعت العشائر العراقية على أن من يخلف الشيخ المتوفى هو ولده وإن كان لا يفقه شيئاً، فيجلس محل أبيه ويجد من يصغون إليه ولا يخالفونه في قولٍ أو فعلٍ حتى وإن جانب الحق أو خالف الواقع.
وهذا الأمر بحد ذاته يصنع مجتمعاً أبلهاً لا يفرق بين الناقة والجمل، ويسطح العقل ويُكثر الجهل والبلادة. ولذا نجد كثير من التخلف العشائري وغياب الحكمة والقول السديد، ونفتقر إلى التخطيط السليم والقول الفصل في القضايا المصرية. وأتذكر التمسك الأعمى للشعب الهندي بـ (غاندي)، فعند موته راح الهنود يبحثون عن شيء يذكرهم به فاتجهوا نحو إنديرا غاندي والتي ليس لها صلة بـ غاندي، ومن بعدها التفوا حول إبنها وبعده إلى زوجة إبنها التي هي من إصول غير هندية!
وعلى المستوى السياسي في العراق نجد كثيراً من الأبناء الذين ورثوا آباءهم وأصبحوا قادة هذا البلد الذي كثر فيه الفساد والتخلف والجهل، وتربعوا على عرش الملك ولن يستطيع أحد أن ينبس ببنت شفة أمامهم. فلدينا مثلاً السيدان عمار الحكيم ومقتدى الصدر، فقد بنيا مجديهما وسلطانيهما على وراثتهما لأبويهما! ولكونهما ينحدران من إسرتين دينيتين تتزعمان المرجعية الدينية في العراق.
فالأول كان جده مرجعاً للمسلمين لعقدين من الزمن تقريباً، وكان أبوه زعيماً لتيار عريض في المعارضة العراقية منذ ثمانينات القرن المنصرم.
والثاني كان أبوه مرجعاً أيضاً، ومعارضاً للنظام الديكتاتوري. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل من الضرورة أن يكون الأبناء كالآباء؟ وهل دائماً يسيرون على نهج آبائهم، ويكونون بمستوى وعي ومبادئ الآباء؟ سؤال يحتاج إلى تأمل قبل الإجابة عليه.