الجمعة - 29 مارس 2024

باقر الحكيم.. زعيم يرفض الطاعة!

منذ سنتين
الجمعة - 29 مارس 2024


محمد جعفر الحسن ||

العقيدة العلوية لا تتسق مع التقديس والطاعة العمياء. هذه هي المسطرة الحقيقية للإسلام، ما دونها يبتعد عن جوهره، ولعله من الثابت إنّ الإسلام اصلا جاء للقضاء على ظاهرة التقديس ومنها تقديس الاصنام او تقديس العبد لسيده الحر!
جزءا من تلك الظاهرة “التصنيم” ما زال حاضرا في عقول بعض الناس وممارساتهم، وربما يخشى ذلك البعض من تحطيم اصنامه التي اعتاد على طاعتها وتلقي الأوامر منها من دون نقاش او تفكير حتى، فهؤلاء كالمرضى او مدمني المخدرات، يعرفون شرها ويستوحشون العيش دون تأثيرها القاتل. السيد الحكيم كان يرفض ذلك النوع من الطاعة ولا ينظر إلى الجماهير بالطريقة التي يتبعها بعض انصاف القادة الذين يقدمون الإهانات والزجر ويتقبلها المريد بكل تواضع!
تواضع السيد محمد باقر الحكيم سمة اصيلة في فكره، وهي التي تنطلق منها دعواته للجمهور إلى المساهمة الفاعلة في صناعة القرار وتشكيل مستقبل الدولة. وعلى الرغم من عاطفته الكبيرة، كان يضع حدا للهتافات ليطرح مشروعه أمام الناس بشكل صريح وواضح ومركّز، وهو يدرك تماما انّ هذه الجماهير مؤمنة به وبالمشروع ولا تريد نقاش به، ومع ذلك يصر على اشراكها بالقرار، إنطلاقا من فكرة “الجماعة الصالحة” التي اشتغل عليها السيد الحكيم طويلا ونظر لها من خلال اطروحاته المتعلقة في هذا الموضوع. لذلك نجده، اي السيد الحكيم، يطرح نوعا مختلفا من الخطاب لم يألفه الجمهور العراقي. فكان ساعيا نحو ممارسة دوره في بناء “الجماعة الصالحة” التي لها القدرة على التشخيص والقيادة، بمعنى ان يتحول الجمهور من مرحلة التلقي والتنفيذ والطاعة العمياء إلى مرحلة الوعي والمساهة الحقيقية في بناء دولة ومجتمع قادر ان يتعايش في دولة، يدرك ماله وما عليه، ويفهم ما للحاكم وما عليه أيضا.
هذا النوع من القادة الاستثنائيين، يمثل مصدا أمام هجمات الغزو الثقافي من جهة وله القدرة على مواجهة التحديات المفروضة من جهة ثانية. ليس في حساباته السلطة، بل يعمل على مساحة المجتمع والفكر، ومن هذه الثنائية ينطلق لتأسيس قواعد الدولة وطبيعة الحكم: “كيفما تكونوا يولى عليكم”.
وفي هذا الظرف الذي يعيشه العراق، الأجدر بالفعاليات السياسية والثقافية مراجعة تراث الشهيد الحكيم بكل تجرد وبعيدا عن روح الرفض لكل ما هو مختلف. في ذلك التراث وفي اقتفاء أثره، تكمن حلول كبيرة للازمة العراقية. وهنا لا بد من الإشارة إلى كون أغلب ما مر به العراق بعد العام ٢٠٠٣، قد حذر منه السيد الشهيد الحكيم، دونكم التاريخ القريب فراجعوه!