الجمعة - 29 مارس 2024
منذ سنتين
الجمعة - 29 مارس 2024


إيمان عبدالرحمن الدشتي ||

كم هو سعيد من يرزق بأولاد صالحين، والأسعد منه من كان أبواه صالحين فيكونان سببا لصلاحه وسعادته.
يقال ان لكل قاعدة إستثناء، وإن ما يعنينا هو تطبيق القاعدة التربوية على أرض الواقع، وبذل قصارى الجهود لانجاحها، ثم إذا ما حصل إستثناء وشذوذ عن القاعدة فهو خاضع لتقدير الله عز وجل.
أتى رجل يوما لمولانا الصادق عليه السلام وأراد من الإمام أن يعلمه كيف يربي إبنه، فسأله مولانا عليه السلام: وكم عمره؟، فأجابه: إنه مايزال في بطن أمه، فقال عليه السلام: لقد تأخرت كثيرا!، وكان عليه السلام يقصد أن بداية التربية تكمن في إختيار الأم، فاختيار الشريك الكفؤ وعلى حد سواء بالنسبة للمرأة والرجل هو الخطوة الاولى في الإتجاه الصحيح، وما روي عن خطبة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لمولاتنا أم البنين عليها السلام لهو أبلغ درس في حسن إختيار شريك الحياة، ولتحصيل بيئة ملائمة لإنجاب أولاد بررة.
إذا ما أتينا الى المفهوم المتعارف للتربية فإن فيها بعدين، احدهما شخصي والآخر عام وهو المفهوم الأوسع والأشمل، ففي المفهوم الشخصي نجد أن حاجة الإنسان الى ولد يعينه عند كبر سنه وخور قواه الصحية والجسمانية، يحتم عليه ان يحسن التعامل مع إبنه علًّه يحظى ببره عندما يكبر وهذا بحد ذاته أمر حسن.
أما البعد الآخر والذي يندرج تحته البعد الأول أيضا لأنه كما قلنا الأعم والاكثر إجمالا، فعلى الوالدين تغذية الأولاد بالاصول الصحيحة للدين والعقيدة والأخلاق والمثل والمبادئ والقيم، وإبعادهم عن كل انحراف تلحقه الحياة بكل ما تقدم من خلال التوجيه والمتابعة. فما أكثر الانحرافات الدينية والعقائدية والأخلاقية في يومنا هذا، والتي تنبؤنا الأحداث أنها قابلة بالمزيد، وهذا ما يفرض على الأبوين جهودا مضاعفة في صون الأولاد ومراقبتهم وتوجيههم، ولا توكل المهمة الى احدهما دون الآخر فدورهما في حياة الأولاد محوري وتكاملي، فلا يقتصر دور الأم على العاطفة والحنان بل يتعداه الى التربية والتعليم والتثقيف والتوجيه، ولا ينتهي دور الأب (عند عودته من طلب الرزق لهم) عند باب الدار كما يعتقده كثير من الآباء، فدوره داخل الدار أكبر فعالية وأبلغ قيمة لتغذية قلوبهم الفتية وعقولهم العطشى للنضوج الفكري، كالثمار عندما تغرس فإنها تحتاج الى عناية واهتمام ومتابعة حتى تينع.
وقد اختصر مولانا الإمام زين العابدين «عليه السلام» حق الولد في بضع كلمات كما وردت في رسالة الحقوق: (وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم انّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنّك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه عزّ وجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه)، فحديث الإمام عليه السلام هذا خطة عمل متكاملة ان طُبقت فستكون نتائجها مذهلة، وليكن الهدف الأسمى هو إعداد جيل رسالي مهدوي، غير متأثر بالثقافات الدخيلة ومستنكرا ورافضا لها، بل مؤثرا في إشاعة الثقافة المهدوية من منابعها الأصيلة والرصينة، والانتظار الفاعل من خلال التمهيد بالالتزام الأخلاقي والعقائدي، وإعداد العدة لنصرة قائم آل محمد عجل الله فرجه الشريف.
فالحياة معترك الثقافات وحلبة صراع الميول والرغبات وساحة تنافس بين القوي والضعيف، وبين الأفكار البنّاءة والهدامة، ومن لم يُعد اولاده للمواجهة ولم يُسلحهم بالتربية السليمة، فإنه سيتجرع الخسارة بكأس الإهمال والتضييع.