الكوفة ومعركة المصير..!
مهدي صالح حسن ||
ومضات حسينية”
“الكوفة عبر التاريخ ”
الحديث عن غدر اهل الكوفة قديم سابق لمقتل سيدنا مسلم وامامنا الحسين ،فقد جاء على لسان شخصيات مهمة من اهل البيت عليهم السلام .
اذ روي عن سيدنا محمد بن الحنفية خلال كلام له مع الإمام الحسين قبل خروجه إلى العراق : يأاخي ان اهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأييك وأخيك وقد خفت ان يكون حالك كحال من مضى …”
وواضح من الرواية ان هناك فكرة عامة سيئة تكونت عند كبار الشخصيات الاسلامية فضلا عن عموم المجتمع المسلم انذاك عن حال الكوفة وتركزت تلك الفكرة بشكل اكبر في اذهان عموم الناس بعد مقتل سيدنا المسلم وواقعة كربلاء.
اذ ورد عن الامام السجاد في خطبته لأهل الكوفة بعد مقتل ابيه الحسين عليهما السلام مامضمونه ” هيهات، هيهات، أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى أبي من قبل، كلا ورب الراقصات فإن الجرح لما يندمل قتل أبي بالأمس وأهل بيته، ولم ينس ثكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثكل أبي، وبني أبي إن وجده والله بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصص تجري في فراش صدري” .
وكذا ورد مثل هذا الكلام في توبيخ وذم اهل الكوفة على لسان العقيلة زينب عليها السلام حيث قالت :”أمّا بعد :
يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر !!
أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنة.
إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم.
ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف ؟ والصدر الشنف ؟ وملق الإماء ؟ وغمز الأعداء ؟
أو كمرعى على دمنة ؟ أو كفضة على ملحودة ؟
ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.”
وقد تعرض الكثير من الباحثين لحال الكوفة والى الاسباب التي أدت بها إلى تلك الاضطرابات في عهد خلافة الامام علي عليه السلام ومن بعده ولديه الحسن والحسين عليهما السلام الا انها لم تفي بالغرض من وجهة نظري .
لذلك اود مرة اخرى ان أتعرض لحال الكوفة والفكرة القديمة المأخوذة عنها ،كون حال المجتمع الكوفي انذاك جرى تعميمه على جميع المجتمع العراقي فصار ينسب إلى العراقيين كل ماجرى في الكوفة عبر التاريخ .
وبطبيعة الحال انا عراقي ويهمني جدا ان ابحث في حال مجتمعي لإظهار الحقائق بشكل موضوعي بعيدا عن التعصب والاشاعات.
اذ اعتقد ان هناك أخطاء في الفهم للنصوص الواردة عن الائمة وللتاريخ أدت الى انتشار مثل تلك الإفكار السيئة عبر الازمان ضد العراقيين .
وهنا لابد لي من اعطاء مقدمة تاريخية عن مدينة الكوفة قبل الغوص في التحليل واستخلاص النتائج .
“الموقع الجغرافي والاهمية السياسية والعسكرية للكوفة”
كانت الكوفة عامرة مأهولة قبل البعثة النبوية،كونها كانت قريبة من مراكز الحضارات العراقية القديمة السومرية والبابلية بالاضافة الى كونها تقع على اطراف دولة المناذرة التي كان مركزها الحيرة التي أصبحت فيما بعد جزء من مدينة الكوفة .
وقد اتخذها سعد بن أبي وقاص كمعسكر، بعد معركة القادسية زمن خلافة عمر بن الخطاب بالقرب من مدينة الحيرة، حاضرة المناذرة.
كانت الكوفة قاعدة جيش المسلمين لمهاجمة المدائن حاضرة الفرس الساسانيين، الذين انتصر عليهم المسلمون في معركة المدائن.
وكان اعادة تأسيس مدينة الكوفة في موقعها التاريخي من الضرورات التي اقتضتها ظروف الحرب والفتوحات في زمن الخليفة الثاني، وذلك لأنّه لمّا وصل المسلمون إلى بلاد إيران بقيادة سعد بن أبي وقاص اقتضت الضرورة بأن تكون لهم نقطة وصل وربط بينهم وبين المدينة المنورة، ومعسكر قريب من ساحة القتال ومركز يؤوبون إليه ،فاصبحت محل جذب للقبائل العربية من شبه الجزيرة العربية والقوميات والاعراق التي كانت تسكن باقي مناطق العراق.
“الطبيعة الديمغرافية للمجتمع الكوفي ”
ذكر المؤرخون ان أعداد المسلمين في بداية تأسيس الكوفة كان ما بين خمسة عشر ألفاً الى عشرين ألفاً، قسمهم عمر بن سعد إلى سبع خطط:
خطة منها لكنانة وأحلافها؛وخطة لقضاعة، وغسان وبجيلة وخثعم وحضرموت والأزد من القبائل اليمنية؛وخطة لمذحج وحِمير وهَمدان وأحلافهم من القبائل اليمنية؛وخطة لتميم؛
وخطة لأسد غطفان ومحارب ونمر وضبيعة وتغلب؛
وخطة لأياد وعك وعبد القيس وأهل الحجر وحمرا وحمراء؛
وخطة لقبيلة طيّ اليمنية.
وكان لقبيلة همدان المعروفة بشدّة ولائها لأهل البيت منزلة كبيرة في الوسط الكوفي ومكانة مرموقة بين القبائل العربية.
وبقي هذا التقسيم القبلي للكوفة حتى زمن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي أحدث بعض التغييرات عليه، وجاء من بعده زياد بن أبيه ليحدث آخر تعديلات على المجتمع الكوفي سنة 50 هجرية.
ويلاحظ الراصد لتاريخ الكوفة غلبة القبائل اليمنية عليها وأن أكثر اليمنيين من قبيلة همدان الموالية لأمير المؤمنين عليه السلام، التي وصفها ماسنيون بقوله: همدان قبيلة كبيرة وقوية وذات نفوذ كبير وكان رجالها من أشدّ الموالين لـعلي بن أبي طالب.
ومن القبائل القوية الأخرى وذات النفوذ في الكوفة قبيلة طي التي تعد هي الأخرى من القبائل الموالية لأمير المؤمنين عليه السلام والمساندة له في معركتي الجمل وصفين.
ومن القبائل اليمنية التي هاجرت إلى الكوفة قبيلة الأشعريين المعروفة بولائها لعلي عليه السلام، إلا أن سياسة الحجاج بن يوسف التعسفية اضطرتها إلى الهجرة من الكوفة إلى قم واتخاذها مركزاً لنشر التشيع هناك.
والجدير بالذكر:
أن الكوفة لم تكن كسائر المدن العربية كمكة والمدينة بل وحتى دمشق، قد محضت للعرب خاصة بل يقطنها خليط من أقوام شتّى.
أكثر المهاجرين إلى الكوفة سواء كانوا من العرب أم من الفرس كانوا من رجال السلك العسكري وكانوا على استعداد للدخول في سلك العسكر وخدمة الحاكم أيّاً كان القائد والخليفة، وغالباً ما كانوا عزباء أو جاؤوا إلى الكوفة وتركوا أزواجهم في بلدانهم الأم.
لكن مع ذلك كان العرب يمثلون العنصر الأساسي في الكوفة فيما احتل الفرس المرتبة الثانية في التركيبة السكانية للمدينة .
كما ان الكوفة في بداية اعادة تأسيسها بعد فتح العراق لم تكن ذات مدرسة فكرية أو عقائدية خاصّة، حيث انها ازدهرت فكريا وثقافيا بعد ان اتخذها الامام علي عليه السلام عاصمة للدولة الاسلامية مستفيدة من العمق الحضاري لبلاد الرافدين .
“اهم الأحداث السياسية والعسكرية التي شهدتها الكوفة قبل واقعة كربلاء ”
شهدت الكوفة أحداثاً وتطورات سياسية واضطرابات كثيرة ومهمة في ذلك الزمان، منها ظهور حركات الخوارج والغلاة كما كانت المعسكر الرئيسي الذي انطلق منه الامام علي عليه السلام لقتال الخوارج والبغاة وأصحاب الجمل .
وقد شهدت الكوفة بعد اغتيال الامام علي عليه السلام حركة تمرد ضد خلافة الامام الحسن عليه السلام انتهت باضطراره لعقد معاهدة صلح مع معاوية بن أبي سفيان.
“التحليل السيسلوجي للأحداث التاريخية في الكوفة ”
وبعد هذه المقدمة لابد أن يكون قد بدا واضحا ان الكوفة كانت تشهد تنوعا قوميا ودينيا وثقافيا لم يكن مثله في مكة والمدينة فضلا عن باقي المناطق في شبه الجزيرة العربية فكانت تسكنها إلى جنب القبائل العربية عدة قوميات اهمها الفارسية.
فالمجتمع الكوفي لم يكن مجتمعا منغلقا كالمجتمع المكي أو المدني، اذ تسربت اليه الفلسفات والاديان القديمة بفعل موقعه الجغرافي الذي توسط مراكز الحضارات العراقية القديمة والامبراطوريات الكبرى التي حكمت مناطق واسعة من المنطقة العربية قبل الإسلام.
فكان المجتمع الكوفي الاسلامي الجديد عبارة عن خليط من عدة قوميات وثقافات .
كما كانت وجهة النظر الاسلامية والسياسية والثقافية السائدة في المجتمع هي وجهة نظر الخلافة التي سبقت خلافة الامام علي عليه السلام باستثناء بعض الشخصيات والقبائل التي حملت ارثها الموالي للإمام إلى الكوفة بعد هجرتها اليها من اليمن وشبه الجزيرة العربية .
والتي شكلت بعد ذلك جالية مهمة في مدينة الكوفة في عهد الامام علي عليه السلام وصل تأثيرها العقدي إلى مناطق مهمة في العراق .
ألا إنها بقيت اقلية قياسا بمجموع سكان الكوفة وقياسا بمجموع سكان الامصار الاسلامية المهمة في العراق .
اذ يذكر المؤرخون ان عدد سكان الكوفة بعد عهد خلافة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام ناهز المئة الف .
في حين ان الرسائل التي وصلت الى الامام الحسين عليه السلام كانت بما يقارب ال سبعة عشر ألف رسالة .
فلو فرضنا ان كل شيعة الكوفة قد كاتبوا الامام للمجيء اليهم فعدد ال سبعة عشر الفا من المئة الف لاتتجاوز نسبته ال ٢٥ % اي ربع سكان المدينة .
وحتى لو قيل ان الرسائل ال سبعة عشر الفا كانت كل رسالة منها تمثل عدد من الناس وليس كل شخص كان له رسالة على حدة.
قلنا نعم صحيح ألا اننا لو حذفنا منها اسماء اتباع بني امية والعوام من غير الشيعة سنخلص إلى نفس النسبة أعلاه والنتيجة المتقدمة .
وهناك قرينة اخرى تدعم مااستنتجناه وهي ان ديوان سيدنا مسلم بن عقيل الذي اسسه بعد وصوله للكوفة لتسجيل اعداد المبايعين للإمام الحسين عليه قد سجل سبعة عشر الفا من مجموع السكان الذين كان يقارب تعدادهم ال مئة الف نسمة .
هذا من جهة ومن جهة أخرى اننا سبق وأن ذكرنا ان الكوفة كانت تشهد تنوعا دينيا وثقافيا قبل أن تصبح حاضرة إسلامية وبعد أن أصبحت عاصمة للخلافة الاسلامية شهدت تنوعا فكريا جديدا تمثل ببروز كبير للتشيع قابله ظهور حركات عديدة متطرفة كالخوارج والغلاة والبغاة والزنادقة ….الخ
وبطبيعة الحال كانت تلك الحركات في صراع وتنافس فيما بينها لاستقطاب المجتمع إلى صفها للسيطرة على الحكم والخلافة بدعم داخلي وخارجي .
وهذا الامر ينبغي ان يكون واضحا من خلال حركة الخوارج التي التحق بها الالاف من الكوفيين لقتال الامام علي عليه السلام.
فالاضطرابات التي شهدتها الكوفة عبر التاريخ وخصوصا في عهد الامام علي ومابعده مردها من وجهة نظري الى التنوع الفكري والثقافي والسياسي الذي كان في الكوفة ،والذي لم يسعى الامام علي عليه السلام إلى تغييره بقوة السلطة التي كان يمتلكها فهو القائل انتم مني في سلام ماسلمت أمور المسلمين وانما سعى إلى ذلك من خلال تقديم نفسه كنموذج وقدوة في المجال الديني والسياسي والعلمي والانساني.
بيد ان الولاة الذين كانوا قبله والذين جاءوا بعده حاولوا بشتى الطرق فرض سياسة وعقيدة السلطة التي يتبعونها على المجتمع الكوفي.
الامر الذي نتج عنه حملات تغيير ديمغرافي كبرى تعرض لها المجتمع الكوفي بل والعراقي عموما باعتبار ان البصرة ومناطق اخرى من العراق تعرضت لنفس حملات القتل والتهجير والاعتقال التي كان يتعرض لها سكان الكوفة والشيعة منهم على وجه الخصوص .
فالشيعة عاشوا في وسط وجنوب العراق في تلك الحقبة التاريخية كأقلية مضطهدة منزوعة الحقوق .
الا انهم مع ذلك لم يكفوا عن الحركة والنشاط فكانوا خير المساندين للامام علي عليه السلام في حروبه وهم من ناصر حركة سيدنا مسلم بن عقيل في بدايتها والتي كادت ان تسيطر على الكوفة تماما لولا تخاذل باقي الاتجاهات الاجتماعية التي كانت تمثل الاغلبية في المجتمع الكوفي .
وقد أثرت سياسات الولاة الامويين وتذبذب باقي الاتجاهات الاجتماعية في الكوفة بشكل كبير على أداء الشيعة في المدينة خصوصا في مرحلة تواجد سيدنا مسلم بن عقيل وخروج الامام الحسين عليه السلام إلى العراق.
فهناك إرجاف اجتماعي حصل في المجتمع الكوفي قاده أنصار بنو امية في المدينة ساهم بشكل كبير في تشتيت الشيعة وتمكين حكام بني أمية منهم .
وبالتالي منعهم من أداء واجبهم الشرعي والاخلاقي تجاه سيدهم مسلم بن عقيل وامامهم الحسين عليهما السلام. ساعد على ذلك حملات الاعتقال والقتل والتهجير الكبيرة التي مارسها بن زياد على شيعة الكوفة والتي طالت كبار شخصيات الشيعة في المدينة .
ومع ذلك لا انفي ان يكون بعض عوام الشيعة قد تخاذل عن نصرة مسلم بن عقيل وعن الالتحاق بالامام الحسين عليه السلام بسبب الخوف من القتل وبطش السلطة ولايوجد باحث على حد علمي يعتذر لشيعة الكوفة بانهم جميعا قد قتلوا واعتقلوا وهجروا بعد مقتل مسلم بن عقيل.
اذ ان الأحداث التاريخية تؤكد ان هناك مجاميع من الشيعة بقيت داخل الكوفة بعد مقتل سيدنا مسلم وامامنا الحسين فقد روى ارباب المقاتل ان مجموعة من رجال القبائل الشيعة قد ساعدوا الامام السجاد على دفن الأجساد الطاهرة بعد ثلاثة أيام من واقعة الطف .
كما ان التحاق آلاف الشيعة في حركتي التوابين وحركة المختار كشف عن وجود شيعة كثر كانوا في الكوفة .
صحيح انهم لم يشتركوا في قتل سيدنا مسلم بن عقيل ولم يلتحقوا بجيش عمر بن سعد لقتال الامام الحسين ألا انهم في نفس الوقت امتنعوا بسبب الخوف من القتل وبطش السلطة من البقاء مع سيدنا مسلم إلى النهاية ولم يلتحقوا بالامام الحسين عليه السلام لما وصل الى اطراف الكوفة فيما ان عدد من المخلصين الشيعة استطاعوا تجاوز الاجراءات الامنية التي فرضتها حكومة ابن زياد على المدينة والتحقوا بالامام الحسين وقاتلوا واستشهدوا بين يديه .
كيف ينبغي لنا ان نفهم النصوص التاريخية الواردة في ذم اهل الكوفة وعموم العراقيين .
اولا لابد لنا من ان نشير إلى نقطة مهمة قلما يلتفت اليها وهي ان عدد من الاقوال المتداولة في ذم اهل الكوفة أو العراقيين عموما صادرة عن غير المعصومين عليهم السلام بل اكثر من ذلك فمعظمها بعد التقصي ثبت صدورها عن الحكام الظالمين وولاة الجور المعادين لأهل البيت وشيعتهم. الذين تسلطوا على رقاب العراقيين لعقود من الزمن ساعدهم على استمرار انتشارها وتداولها على الالسن عبر السنين الانظمة الطائفية والعنصرية التي حكمت العراق والمنطقة العربية والاسلامية في التاريخ الحديث والمعاصر.
حتى ان العراقيين أنفسهم صاروا يستدلون بها لنقد تاريخهم وحاضرهم.
ومن هذه المقولات: ماقاله معاوية بن أبي سفيان للوليد بن جابر الطائي “وانك لتهددني يا أخا طي بأوباش العراق, أهل النفاق ومعدن الشقاق …”
كذلك ورد عن الحجاج الثقفي في احدى خطبة : “يا أهل العراق, يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الاخلاق, أما والله لالحونكم لحو العصا, ولاعصبنكم عصب السلم ولاضربنكم ضرب غرائب الإبل …”، في خطبة اخرى : “يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق، ان الشيطان استبطنكم ..”
اذن ينبغي علينا ان نفرق بين النصوص الواردة عن حكام الجور وأئمة الضلال وبين النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.
اما بالنسبة للنصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام والتي ذكرنا بعضا منها في بداية البحث فلها تفسيرها الموضوعي فهي لاتقصد جميع أهل الكوفة أو جميع العراقيين بطبيعة الحال وكيف يكون ذلك والالاف من اهل الكوفة والعراقيين عموما تعرضوا إلى القتل والسجن والتهجير قبل واقعة كربلاء كنتيجة لنصرتهم للأمام علي وحبهم لأهل البيت عليهم .
بالإضافة إلى مشاركة الكثير منهم في حركة مسلم ونصرة الامام الحسين عليه السلام.
يكفي ان نعرف ان جل أصحاب الحسين عليه السلام الذين استشهدوا معه في معركة كربلاء كانوا من اهل الكوفة والعراق .
فالكلام الوارد عن أهل البيت عليهم السلام انما يخص أهل الكوفة أو قل العراقيين الذين شاركوا بحرب أهل البيت والتمرد عليهم كما وحصل في عهد الامام علي ومن بعده في عهد خلافة ولده الحسن.
فكما ان أكابر أصحاب الامام علي وولده الحسن كانوا من الكوفة كان كذلك الكثير من المارقين والقاسطين والبغاة والخوارج من اهل الكوفة ايضا .
فتارة تذم الكوفة في بعض النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام باعتبار وجود البغاة والخوارج والناكثين كنتيجة لافعالهم الشنيعة وتارة تمدح لما فيها من مخلصين مضحين في سبيل أهل البيت عليه السلام .
وكذا الحال لأهل الكوفة بعد واقعة كربلاء فالنصوص الواردة في ذمهم انما تخص القتلة والمتخاذلين منهم الذين خذلوا الامام علي عليه السلام وولده الحسن من قبل ووقفوا إلى صف معاوية وشاركوا بعد ذلك بحرب الامام الحسين عليه السلام .
بدليل قول الامام الحسين عليه السلام في وصف عقيدة الجيش المعادي له بشيعة ال أبي سفيان .
ففي العراق كان ولازال هناك شيعة لأهل البيت عليهم السلام وشيعة ل ال أبي سفيان .
وقد ورد مدح وثناء كبير لأهل الكوفة والعراق عن أهل البيت عليهم السلام .
ومن أشهر ماورد في هذا الصدد:
قول الامام علي عليه السلام مخاطبا اهل العراق: ((انتم الانصار على الحق والاخوان في الدين والجنن يوم البأس والباطنه دون الناس بكم اضرب المدبر وارجو طاعة المقبل))
بحار الانوار ج 32/ صفحة 236
وعنه ايضا في وصف الكوفة :(هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا)
وعن الامام الصادق عليه السلام: ( تربه تحبنا ونحبها )
وعنه ايضا انه قال: ( اللهم ارم ِ من رماها وعادِ من عاداها)
بحار الانوار – العلامة المجلسي ج57 صفحة 210
وقال الامام الحسن عليه السلام عندما رحل عن الكوفة بعد معاهدة الصلح:
(وما عن قلبي فارقت دار معاشري هم المانعون حوزتي وذماري )
صلح الحسن ج20/ عبد الحسين شرف الدين الموسوي
وقال الامام الصادق في مدح اهل العراق:
( واهل كوفة اوتادنا واهل هذا السواد منا ونحن منهم )
بحار الانوار العلامة المجلسي ج57/صفحة 214
وقال ايضا عندما دخل عليه عبد الله بن الوليد في جمع من اهل العراق فقال لهم: ( ممن انتم ؟ قلنا من اهل الكوفة . قال مامن البلدان اكثر محبا لنا من اهل الكوفة لاسيما هذه العصابة ، ان الله هداكم لامر جهله الناس فاحببتمونا وابغضنا الناس وبايعتمونا وخالفنا الناس وصدقتمونا وكذبنا الناس ، فاحياكم الله محيانا واماتكم مماتنا)
الامالي الشيخ الطوسي – صفحة 144
ثم ان الكوفة كما جاء في الروايات ستكون عاصمة دولة الامام المهدي عليه السلام التي سينطلق منها لنشر رسالة جده السمحاء للعالم.