💎جواهر عَلَويَّةٌ: مَنْ تَرَكَ شَيْئا لِلّهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مِمّا تَرَكَ..!
السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ تَرَكَ شَيْئا لِلّهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مِمّا تَرَكَ”
معادلة عظيمة ذات أثر نفسي عظيم على المؤمن الذي يطيع الله في إتيان ما يؤمر به واجتناب ما ينهى عنه، إذ يعلم أن الله تعالى يعوّضه عن كل ما يتركه ويجتنبه خيراً منه وأنفع له وأبقى في دنياه وفي آخرته.
والترك هنا يشير إلى الفعل الاختياري الذي يدفع إليه الامتثال الواعي لأمر الله تعالى، معتقداً أن ذلك خير له ويصب في مصلحته الدنيوية والأخروية.
والتعويض الإلهي له ليس مادياً وحسب، بل يشمل التعويض المادي والمعنوي، والبركات المعنوية، والسكينة، والثواب الأخروي الذي يعظم ويدوم، وهو خير لأنه عِوَض حقيقي، ونفعه حقيقي.
والعلاقة بين الترك والتعويض تنشأ من القانون القائم على العدل الإلهي، حيث يُكافئ الله المُتَّقين بما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وجاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتْرُكُ شَيْئاً لِلَّهِ إِلَّا أَبْدَلَهُ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْهُ”
تلك هي سُنَّة الله مع المطيعين له والممتثلين أوامره ونواهيه، والمُؤثِرين رضاه على إرضاء أنفسهم، وهو تعالى لا يرضى لهم إلا ما فيه نفعهم ومصلحتهم، ولا يمنع عنهم إلا ما فيه ضرر ومفسدة لهم، إن من آثر الحياة الآخرة على الدنيا، حصل له نعيم الآخرة والدنيا، لا يفوته من الدنيا شيء، ولا ينقص عنه من الآخرة شيء،
والعكس صحيح فمن أطاع هواه وأرضاه، وآثره على طاعة الله ورضاه، خسر دنياه وآخرته،
قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ ﴿37﴾ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿38﴾ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴿39﴾ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿40﴾ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴿41: النازعات﴾
تشير هذه الآيات الكريمات إلى المعادلة التي نحن بصددها، فتذكر الأثر المترتب على إيثار الهوى النفس الذي يقود بالضرورة إلى الطغيان والتمرد على أوامر الله ونواهيه، فالأثر الطبيعي هنا هو الجحيم الدنيوي والجحيم الأخروي، والأثر المترتب على إيثار طاعة الله ورضاه المتمثل بالخوف من مقام الله الذي يقود بالضرورة إلى نهي النفس عن الهوى، والأثر الطبيعي هنا هو الجنة، وهو التعويض من الله للطائع الممتثل لأمر الله.
مِمّا لا شك فيه أن الطغيان وصف لكل من يتجاوز الحق والهدى، وكل من آثر الحياة الدنيا، واختارها على الآخرة، فعمل لها وحدها، غير حاسب للآخرة حسابا، حيث تختل الموازين عنده، وتختل القيم لديه، لأن ذلك من طبيعة إيثار الهوى والامتثال له، حيث يغدو هو الميزان، وتغدو القيمة لما يتفق معه، ولو كان في ذلك مفسدة عظيمة واقعية، فهذا هو الطغيان الحقيقي الذي يؤدي بالضرورة إلى الجحيم،
أما الذي يخاف مقام ربه فلا يُقدِم على معصية، فلا يكون منه طغيان وتجاوز لحدود الله التي قررها الله حفظا له ولمصالحه الواقعية، فإذا أقدم الشخص على المعصية بحكم ضعفه البشري قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة، فظل في دائرة الطاعة، فنهي النفس عن الهوى هو نقطة الارتكاز في دائرة الطاعة، والخوف من الله هو الحاجز القوي أمام دفعات الهوى العنيفة، والآثر المترتب على الخوف من مقام الله هو الجنة.
وإذاً: فنحن أمام معادلة صارمة: خوف من الله يحمل الإنسان على ترك المعاصي، وتعويض من الله له بجنَّة المأوى، ولا يقتصر الأمر على العِوَض الأُخروي، بل يعوِّض الله المطيع في دنياه بما لم يخطر على باله، والأمثلة كثيرة، بل كثيرة جداً لا تتسع موسوعة بأكملها لذكرها،
ولكن يكفي أن يتذكر القارئ الكريم أن الإمام الحسين (ع) تخلى عن دُنياه، وباع نفسه وولده لله، وضحّى في سبيله بجميع ما يملك فعوَّضه الله بأن خَلَّد ذكره في الدنيا، وجعل له في قلوب المؤمنين حرارة لن تبرد أبداً، وجعله رمزاً للنهوض ومواجهة الطغاة والإصلاح والتحرّر.
فجر يوم الثلاثاء الواقع في: 29/4/2025 الساعة (04:38)