الجمعة - 09 مايو 2025
منذ ساعة واحدة
الجمعة - 09 مايو 2025

د. عبد الله علي هاشم الذارحي ||

 

مازالت حقائق اتفاق واشنطن تظهر للعلن، فقدنشرت شبكة”NBC News”الأميركية
تقريرًا مطولًا كشفت فيه كواليس الحملة العسكرية التي شنّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد جماعة الحوثيين، مشيرة إلى أنها كلّفت الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار، دون أن تُحدث تأثيرًا حاسمًا في قدرات الجماعة، التي ما زالت قادرة على تهديد الملاحة وضرب أهداف خارج اليمن.

ووفقًا للتقرير الذي أعدّه الصحفيان كورتني كيوب وجوردون لوبولد، فإن العملية التي بدأت في مارس/آذار 2025 تحت اسم “عملية الفارس الخشن”، تضمنت استخدام قرابة ألفي قنبلة وصاروخ، بينها أكثر من 75 صاروخ توماهوك، و20 صاروخ كروز من طراز AGM-158، بالإضافة إلى مئات القنابل التي يصل سعر الواحدة منها إلى 85 ألف دولار. كما أشارت الشبكة إلى إسقاط سبع طائرات أميركية من دون طيار وغرق طائرتين مقاتلتين خلال العمليات.

وبحسب ما نقلته الشبكة عن مسؤولين أميركيين، فقد جاءت هذه الحملة كرد مباشر على تصاعد هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر، في أعقاب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، حيث استهدف الحوثيون سفنًا تجارية وعسكرية إسرائيلية مما دفع واشنطن إلى تصعيد غير مسبوق.

إلا أن التقرير أشار إلى تحول مفاجئ، تمثل في إعلان ترامب عن اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، يقضي بتعليق الضربات الأميركية مقابل توقف الجماعة عن استهداف السفن الأميركية فقط، دون التزامات مماثلة تجاه السفن الإسرائيلية أو سفن دول أخرى.

وأكدت “NBC” أن الاتفاق تم بوساطة جزئية من سلطنة عمان، لكنه لا يُلزم الحوثيين سوى بعدم مهاجمة السفن الأميركية. بينما أوضح مسؤول أميركي أن الإدارة كانت تبحث عن مخرج من هذه الحملة، في ظل تكاليفها المتصاعدة ونتائجها المحدودة.

وأشار التقرير إلى أن التقييم الميداني لنجاح العمليات كان معقدًا بسبب غياب القوات الأميركية على الأرض، وإسقاط الحوثيين لمعظم طائرات الاستطلاع من دون طيار، مما صعّب على البنتاغون قياس أثر الضربات بشكل دقيق.

ونقل التقرير أن وزارة الدفاع الأميركية أنفقت ما لا يقل عن 10 ملايين دولار فقط على نقل نظامي باتريوت بحريًا إلى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أكثر من 70 رحلة جوية لطائرات C-17 لنقل بطاريات دفاعية، بتكلفة 27 ألف دولار في الساعة لكل طائرة.

كما أظهر التقرير أن القادة العسكريين كانوا في انقسام حول نجاعة الحملة، بينما عبّرت شخصيات داخل الإدارة الأميركية عن شكوكها في التزام ترامب بحملة طويلة الأمد ضد الحوثيين.

وقالت دانا سترول، المسؤولة السابقة في البنتاغون، إن “واشنطن لا تملك صبرًا استراتيجيًا، ومن غير المرجّح أن تلتزم بالموارد اللازمة لرؤية هذه الحملة حتى نهايتها”، مؤكدة أن الاتفاق لا يعني نهاية التهديد الحوثي، لا سيما وأن الجماعة ستواصل هجماتها على إسرائيل، ولن تعود حركة الملاحة إلى طبيعتها.

وحذّرت سترول، وهي مديرة الأبحاث في معهد واشنطن، من أن واشنطن قد تزعم لاحقًا أنها استعادت “حرية الملاحة” لمجرد عبور سفينة أميركية واحدة في البحر الأحمر، رغم بقاء الخطر قائمًا. وقالت: “الحوثيون لن يتوقفوا عن إطلاق الصواريخ، ولن يتغير شيء في الحرب اليمنية”.

واختتمت “NBC” تقريرها بكشف مثير حول خلافات داخل إدارة ترامب، بعد تسريب محادثة جماعية على تطبيق “سيغنال” أُضيف إليها عن طريق الخطأ جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة “ذا أتلانتيك”، وأظهرت السجلات أن نائب الرئيس جيه دي فانس أعرب عن قلقه من تهور ترامب، قائلاً إن الرئيس السابق “لا يدرك تمامًا حجم التورط الأميركي في هذه الحرب، وإن واشنطن ليست مخولة بتعميق هذا الدور”.

إجمالًا، يكشف التقرير أن حملة ترامب ضد الحوثيين لم تحقق نتائج استراتيجية تُذكر، بل أضافت عبئًا ماليًا ضخمًا على كاهل وزارة الدفاع، ووضعت الإدارة الأميركية في موقف متناقض، بين التصعيد العسكري والبحث عن مخرج تفاوضي دون تحقيق أهداف واضحة”