”العيون الخمس” بقيادة بريطانيا تعاقب بن غفير وسموتريتش ..!
كندي الزهيري ||
من قلب الانفصام الأخلاقي الغربي ، وفي خطوة يعتقد أنها ستُذكر في كتب العلاقات الدولية لا باعتبارها مجرد “عقوبات”، بل كتحوّل جذري في بنية الإدراك السياسي الغربي تجاه الكيان الصهيوني ، قادت “العيون الخمس”
، وهي ؛ الدول الخمس التي شاركت في فرض العقوبات ( بريطانيا، الولايات المتحدة، كندا، أستراليا، ونيوزيلندا، وهي تحالف استخباراتي وعسكري واستخباري تاريخي تشكل خلال الحرب العالمية الثانية، ويُعدّ من أقوى التحالفات الغربية في العالم) ، فرض عقوبات مباشرة على بن غفير وسموتريتش، رمزي التطرف الديني القومي داخل المنظومة الكيان الصهيوني. .. العقوبات بحد ذاتها ليست هي الخبر. بل إن “من فرضها” و”متى فُرضت” و”لأي سبب”، هو الحدث الأعمق الذي يستحق الوقوف عنده.
• بريطانيا: هل تُكفّر عن ذنبها في وعد بلفور؟
منذ أكثر من قرن، وقّعت بريطانيا على أكثر قراراتها مأساوية: وعد بلفور. هذا الحدث لم يكن “تصريحًا” فحسب، بل فعلًا تأسيسيًا لنكبةٍ استعمرت الجغرافيا والمصير الفلسطيني…الآن، في عام 2025، تخرج بريطانيا لتقود عقوبات لا على “الكيان “، بل على من يُجسّد “المشروع الصهيوني المتوحّش” في صورته الصريحة: وزير الأمن القومي الذي يدعو لإبادة غزة، ووزير المالية الذي يرى في الدولة الفلسطينية كيانًا يجب وأده قبل الولادة…
فهل تتحرك بريطانيا الآن لتستعيد موقعها كـ”راعٍ أخلاقي” بعد أن كانت “أبًا استعماريا” للمأساة الفلسطينية ؟ ، لماذا سموتريتش وبن غفير؟ ولماذا الآن؟…لأن العالم لم يعد يتحمل الكذب السياسي. لأن ما حدث في غزة لم يكن مجرّد معركة عسكرية، بل كشف للعراء كامل الأركان الوجودية للمشروع الصهيوني: الاستعلاء، الإحلال، وتجريد الإنسان من كينونته.
سموتريتش لم يقل فقط إنه “منع قيام دولة فلسطينية”؛ بل افتخر بأنه يحرس بوابة الجحيم، بن غفير لم يطالب فقط بنفي السكان؛ بل أعاد إنتاج نظرية “الشعب المختار” بلسان عسكري ، والغرب، الذي طالما تغاضى، لم يعد يستطيع ذلك: بسبب صور الأطفال تحت الركام… بسبب شوارع برلين وباريس التي امتلأت بملايين المتظاهرين الغاضبين… بسبب نزيف القيم الليبرالية الذي لم يعد يُرمم بالشعارات.
• ما الذي تغيّر في بريطانيا؟
ليست بريطانيا الجديدة أكثر إنصافًا. لكنها أكثر خوفًا من السقوط الأخلاقي النهائي، نعم، القيادة العمالية ترى نفسها حارسةً للقيم، لكن الحقيقة الأعمق أن بريطانيا تريد أن “تنظف صورتها أمام شعوبها”، لا سيّما بعد فشل كل الأنظمة في كبح المجازر، إن العقوبات على وزيريْن ليست إلا تقديم قربان رمزي من أجل تهدئة العاصفة الأخلاقية في الداخل البريطاني، لكن الرمزية هنا لا تقلل من أهميتها، بل تعطيها طابعًا تأسيسيًا لما يمكن أن يتبعه:
” بداية تفكيك الشرعية الدبلوماسية للصهيونية المتطرفة”.
•العقل الاستعماري يعاقب فرعه المنفلت:
المنظومة الصهيونية وُلدت في الحضن الغربي، وتغذّت على عقدة الذنب بعد أكذوبة المحرقة، وأعطيت تفويضًا مفتوحًا باسم “أمن إسرائيل” إضافة إلى أمور دينية … لكن الآن، يبدو أن الابن المدلل تمادى كثيرًا ، بن غفير وسموتريتش أحرجوا المشروع بالكامل: هم لا يختبئون خلف ستار الديمقراطية، ولا يتقنون التمويه، هم قالوا صراحة: نريد فلسطين بدون فلسطينيين، وهنا، فشلت آلة التبرير الغربية في مواكبة هذا العري الوحشي. فكان لا بد من إجراء: عقوبة “محدودة”، لكنها ذات أثر زلزالي في المعنى.
• من العقوبات إلى المساءلة؟
إذا استمرت هذه الديناميكية، فإن ما يحدث ليس فقط منع سفر أو تجميد أموال، بل هو إعادة صياغة للسردية الدولية: لم يعد ممكنًا فصل الكيان الصهيوني عن أفعال وزرائها ، ولم يعد ممكنًا التستر على المشروع الاستعماري باسم “الدفاع عن النفس”. لأول مرة منذ عقود، يتشكل داخل المنظومة الغربية محور جديد: محور يرفض “الصهيونية الفوضوية”، ويطالب بتقييدها داخل حدود القانون الدولي.
• التأثير داخل إسرائيل: انهيار هيبة المشروع:
العقوبات لا تؤلم بن غفير وسموتريتش بقدر ما تهز المعبد الصهيوني من الداخل ، فهما رمزان لـ”إسرائيل الجديدة” التي بنت شرعيتها على الوقاحة الأخلاقية، والهيمنة الأمنية، والانفلات العنصري ، إذا بدأت أوروبا بمحاسبة هذه النماذج، فإن السؤال التالي سيكون: من يحمي الجنود؟ من يحمي السياسيين؟ من يحمي الكيان ذاتها من المساءلة؟، بهذا المعنى، فإن العقوبات بداية تفكك في الهالة الأخلاقية التي كانت تحصّن الكيان لعقود.
• هل بدأ الانقلاب الأخلاقي العالمي؟…
إن العقوبات، وإن بدت محدودة، تُشير إلى أمر واحد: “لقد تعب العالم من الصهاينة ” ، تعب من الكذب، من التبرير ، من الإبادة اليومية تحت اسم الأمن. من تقويض كل منظومة القانون الدولي باسم “الحق التاريخي”، وبريطانيا، بصفتها الأب الرمزي للنكبة، تُعلن اليوم أنها لم تعد قادرة على التستر،
إنها لحظة فاصلة في التاريخ المعاصر. لحظة قد لا تقلب المعادلة فورًا، لكنها تُفسد هندسة الصمت العالمي ، هذا ليس مجرد حدث دبلوماسي. إنه بداية انهيار الرواية، وبداية صعود الحقيقة ، والتاريخ، كما نعرفه، لا يُكتب في المؤتمرات، بل في تلك اللحظات النادرة… حين يجرؤ الغرب على محاسبة مرآته ، الغرب سيدفع ثمن دعمه لسنوات طويلة لهذا الكيان الإرهابي ، فما أمامه إلا معالجة الأمور قيل فوات الأوان .