الأربعاء - 01 مايو 2024

لبنان لا يغيرها حزب أو مكون يا عربان..!

منذ سنتين
الأربعاء - 01 مايو 2024


نعيم الهاشمي الخفاجي ||

نحن العرب عبر تاريخنا محكومين، ربما البعض غير مطلع على حقيقة أن العرب أمة محكومة، أقول له لا يختلف اثنان أن العرب أمة محكومة في الخمسة قرون من الزمان الأخيرة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، فقد حكمنا الأتراك في اسم الخلافة الإسلامية واضطهدونا واتبعوا سياسة التجهيل والتتريك، ومن خان الدولة العثمانية ليس الشيعة وإنما السنة العرب بكل توجهاتهم الدينية والثقافية والعشائرية، بزعامة مفتي مكة الشريف علي، الذي تعاون مع قوات الاحتلال البريطاني والفرنسي، وأرسل نجله فيصل إلى احتلال دمشق وقتل الجنود الأتراك وتسليم مفاتيح دمشق لقوات الاحتلال الفرنسي.
ما أشبه اليوم بالبارحة، أيضا انفرد الشيعة في مقاومة قوات الاحتلال البريطانية والفرنسية رغم أن الأتراك العثمانيين كانوا يضطهدون الشيعة وبادوا الكثير منهم وخاصة فتوى مفتي الدولة العثمانية المجرم شيخ نوح الحنفي الذي أفتى في كفر الشيعة وكفر الذي لا يكفرهم النتيجة تم قتل مائة ألف شيعي في الأناضول وحلب وحدها.
كتب التاريخ ذكرت أنه في يوم 16 مايو (أيار) 1916 جلس في مبنى وزارة الخارجية البريطانية كل من الدبلوماسي الإنجليزي السير مارك سايكس ونظيره الفرنسي جورج بيكو للتوقيع على الاتفاقية الشهيرة، والتي عرفت باسميهما، وجلس خلفهما السفير الفرنسي لدى بلاط سانت جيمس، بول كامبون ووزير الخارجية البريطاني السير أنطوني غراي، الذي رفع كأسه بعد التوقيع وقال: «لنشرب نخب اتفاق لمستقبل المائة عام المقبلة».
الجماعة شربوا كأس النبيذ والخمرة تعبيرا عن سعادتهم الغامرة، الاتفاقية تتكون من 3 صفحات وتحتوي على 12 بنداً مع خريطة رُسمت عليها خطوط هندسية مستقيمة هي حدود لكيانات جديدة ستنشأ بعد زوال الإمبراطورية العثمانية وتتقاسم فرنسا وبريطانيا السيطرة عليها. ولم تأخذ التقسيمات في الاعتبار مجاري الأنهار والجبال والتنوع السكاني والديني والمذهبي، فضمت الكيانات جماعات وأعراقاً وطوائف مختلفة لديها الكثير من الصراعات التاريخية والكراهية لبعضها بعضاً، لم يقوم المستعمر البريطاني بشكل خاص في صياغة دساتير للدول المصطنعة الجديدة تضمن مشاركة الجميع من المكونات والطوائف بشكل متساوي، والهدف حتى تبقى الدول المصنعة تعاني من صراعات قومية ومذهبية وتبقى دول فاشلة، بل أن وجود الصراعات تمكن دول الاستعمار من سيطرتها بإثارة الخلافات والفتن والتدخل من خلال دعم اقلية عرقية أو مذهبية هنا ضد أكثرية والغاية السيطرة على البلد وسرقة ثرواته.
الاستعمار الفرنسي أكثر انسانية من الاستعمار البريطاني، أراد إنهاء الصراع القومي والديني في سوريا من خلال إقامة دولة الساحل ودمشق وحلب وحمص والتي تضم المسيح والدروز والعلويين والشيعة الجعفرية وبقية الأقليات لكن زعيم العلويين الشيخ صالح العلي والأمير سلطان بن الأطرش زعيم الدروز رفضوا ذلك وقادوا المقاومة ضد المحتل الفرنسي سقط ٥٠٠٠ شهيد بما يعرف في الثورة العربية في سوريا منهم ٤٦٠٠ شهيد شيعي علوي وجعفري ودرزي، النتيجة سوريا تدفع اليوم ثمن باهضا بسبب عدم إيجاد حلول لمشكلة دمج المكونات الغير متجانسة وعدم تشريع دستور يضمن مشاركة الجميع بالمساواة، استغلت صهيونيا لتدمير سوريا وفرض التطبيع عليها.
المحتل الفرنسي عمل دستور إلى لبنان ضمن مشاركة جميع المكونات في إدارة الدولة، ربما هناك من يرفض قول الحقيقة المرة، لبنان احتلته القوات الفرنسية في عام ١٨٠٠ ميلادي بسبب قيام الأتراك في قتل الطوائف المسيحية، وشاءت الصدفة أن يتم حماية ماتبقى من الشيعة والعلويين والدروز الذين كانوا في المراحل الأخيرة من عمليات استئصالهم من قبل السلطات العثمانية، لبنان احتلتها فرنسا قبل أكثر من قرن من الحرب العالمية الأولى، المستعمر الفرنسي عمل دستور إلى لبنان ضمن مشاركة كل الطوائف وإن كان التمثيل ليس عادل لكن بالقليل ضمن مشاركة كل الطوائف، دستور فرنسا الذي عملته في لبنان أفضل من دستور العراق بالحقبة الملكية، في لبنان وان كان الانقسام في المجتمع الصغير هو طائفي وقومي لكن لديهم دستور يضمن مشاركة جميع المكونات، استمرار نهج الانتماء إلى الطائفة في لبنان مفيد إلى الفرد فهو يحصل على الحماية والوظيفة والطبابة والمدرسة من خلال حصته من ميزانية الدولة، لكن وجود منظمة التحرير الفلسطينية ووجود عشرات آلاف الفلسطينيين واشعال فتيل حرب بزعامة وقيادة المجرم سمير جعجع وبيت عائلة آلجميل كان الهدف طرد عرفات من لبنان وللأسف نجحوا بذلك، بظل الأوضاع المضطربة تدخلت دول الحضن العربي سواء القومية البعثية والناصرية أو دول الرجعية البدوية الوهابية في شؤون لبنان من خلال دعم الطوائف بحيث أصبح سعد الحريري زعيم وممثل للمكون السني بفضل المال السعودي.
اين ما وصل المال الخليجي عمت الفتن والحروب، من خلال دعم الطوائف أصبح العملاء والخونة الذين ينفذون مشاريع الاستعمار يستمدون قوتهم من الخارج في أغلب الأحيان، وهنا تكمن قدرة الدول الخارجية على التدخل في شؤون البلد وخلق فوضى في القرار السياسي.
في لبنان وخاصة في القرن العشرين تعرض إلى الكثير من التدخلات منذ الاستقلال والتي تسللت عبر الانقسامات الطائفية، وبسبب نكبة الشعب الفلسطيني التي انعكست بشكل سلبي على لبنان وعلى العراق وسوريا ومصر واليمن، اجتاح لبنان بذلك الوقت المد الناصري القومي العربي والبعثي بكلا شقيه السوري والعراقي، وكان الوجود الفلسطيني المسلح تسبب في حدوث انقلاب عسكري بدعم من بعض الفصائل الفلسطينية المسلحة المدعومة من نظام البعث بالعراق، الانقلاب أطاح في سليمان فرنجية من خلال انقلاب سامي الخطيب والعقيد عزيز الأحدب وفرار فرنجية من بيروت إلى دمشق ووصل البعث العراقي لسدة القرار، هذا الانقلاب اطاح في الدستور اللبناني، تدخل الرئيس السوري حافظ الأسد هذا التدخل السوري ضد وصول بعث العراق إلى الحكم في بيروت بحجة حماية المسيحيين، وكان التدخل السوري بشكل رسمي بطلب من الرئيس المسيحي اللبناني الماروني سليمان فرنجية عام ١٩٧٥ والذي تم تشريعه فيما سمي قوات الردع العربية من الجامعة العربية، ولولا التدخل العسكري السوري لما بقي دستور لبناني ولما بقي جعجع والجميل وجنبلاط ألسنتهم طويلة، ثم الاحتلال الإسرائيلي الذي تم هزيمته من خلال المقاومة اللبنانية.
انتصار المقاومة في لبنان ازعج دول الرجعية العربية الذين ينفذون أوامر اسيادهم لذلك ليل نهار يروجون أن لبنان في قبضة مشروع إيراني …..الخ
لازال الرئيس مسيحي وبشرط ماروني ورئيس الوزراء سني والبرلمان للشيعة، كل هذا التضخيم الاعلامي والقول أن هوية لبنان تغيرت كذبة كبرى، هؤلاء يضغطون لأجل قبول المقاومة اللبنانية في التطبيع والانبطاح، رغم قوة المقاومة اللبنانية لكن كل الطوائف ممثلة ولها حصصها بشكل كامل وكل ماقيل ويقال أن حزب ….. قد غير لبنان كذبة، نعم أصبح لبنان الدولة الصغيرة تحرر أراضيها المحتلة من خلال أبنائها وهذا لم يحدث لدى العرب منذ مائة عام.
شكل لبنان أصبح يرفض التبعية والذل والانبطاح، لذلك العربان يشنون كل هذه الحملات والاكاذيب لتضليل عامة الناس.
اعلام دول الرجعية العربية يسمي مشاركة شيعة العراق في حكم العراق في الاحتلال الإيراني ويقتلون الشعب اليمني بحجة إيران يحتلون البحرين ويقمعون شعبها ويرفضون الإصلاح بحجة ايران، حرقوا سوريا بحجة ايران … …..الخ.
ينعتون القوى الفلسطينية المقاومة في غزة أنهم فرس…..الخ، اعلام الوهابية يمتهن الكذب ويفتقر إلى المصداقية والريال والدولار الخليجي اشترى مئات الكتاب والصحفيين العرب من كتاب اليسار العربي وجعلهم عبيد يكتبون لصالح دول الرجعية العربية والوهابية مقابل حفنة من الريالات والدولارات.
مازالت دول الرجعية الوهابية موجودة فلن يكون هناك استقرار في الشرق الأوسط، شر البلية مايضحك مستكتب وهابي يطالب اسياده في تغير نظام الحكم في إيران.
إيران اليوم لديها علاقات قوية مع روسيا والصين، وبفضل تهديدات ترامب ها هي روسيا والصين قد عقدا تحالف استراتيجي ما بين روسيا والصين اللتين ما اتفقتا في تاريخهما، كاتفاقهما في هذه المرحلة.
منذ توقيع سايكس بيكو بقيت الكثير من الدول العربية تعاني من الصراعات القومية والمذهبية، لايملك ساسة العرب في الدول التي تتعرض للصراعات الشجاعة وخاصة في الوضع العراقي في الاعتراف بوجود صراع قومي مذهبي يحتاج حلول ترضي الجميع،في سبتمبر (أيلول) 2013 نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريراً معمقاً عن مستقبل المنطقة بعد اندلاع أحداث سوريا، وقد رسم التقرير خريطة تظهر تحول 5 دول إلى 14 دويلة بانفصال 9 كيانات عرقية ومذهبية، وظهرت فيما بعد مقالات عدة صادرة عن مراكز أبحاث أميركية عريقة لخصها الباحث الأميركي ستيفن كوك في مجلة «فورين بوليسي» بأن حل الصراعات هو بنشوء كيانات تحمي مكوناتها وتزيل القلق والتطرف والعنف.
لو كانت لدى ساسة العرب في الدول التي تعاني من صراع قومي ومذهبي الشجاعة في إيجاد نظام سياسي يضمن مشاركة الجميع بالقرار السياسي لأصبح من المستحيل التدخل بشؤوننا الداخلية ولم يفكر احد في الانفصال والاستقلال، الهند تضم خمسمائة قومية وديانة ولغة يعيش الجميع مع بعض في دولة يحكمها دستور فيدرالي، نحن بالعراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا كل طواىفنا وقومياتنا لاتتجاوز ثلاثة مكونات فقط يمكن حلها بسهولة أفضل من وجود خمسمائة طائفة وديانة واثنية في الهند.
لبنان باقي ودستوره رغم انه محاصصاتي لكنه أفضل مليون مرة من دساتير بقية الدول العربية يضمن مشاركة جميع المكونات بالتساوي في القرار السياسي، ياليت يوجد دستور في السعودية والبحرين والمغرب يضمن حقوق جميع المواطنين بدون تهميش واقصاء وقتل.
لبنان تغير شكله كبلد مقاوم يضمن مشاركة كل مكوناته بالتساوي ويرفض التطبيع والانبطاح، لبنان باقي الرئيس مسيحي ماروني ورئاسة الوزراء للسنة والبرلمان للشيعة، وتبقى لدى اللبنانيين حرية التعبير عن ارائهم صحف الخليج تعج بكثرة الكتاب اللبنانيين الذين يهاجمون المقاومة بدون خوف وهذا دليل على وجود حرية وعدم سيطرة مكون يقصي بقية المكونات الأخرى، ولولا تدخل المقاومة اللبنانية في التصدي للقاعدة وداعش في سوريا لما بقي مسيحي واحد في سوريا ولبنان، ولولا سلاح المقاومة اللبنانية لما كانت سيادة إلى لبنان على حقول البترول والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية في سواحل البحر الأبيض المتوسط.

نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
12/2/2022
ـــــــــــ