حين يَحسبُ المهزوم نفسه منتصراً..قراءة في معركة الصمود والنقطة الفاصلة..!
سمير السعد ||
في عالم يختلط فيه الوهم بالحقيقة، تُطرح تساؤلات صادمة حول معركة غزة المستمرة، حيث يصوّر البعض مشاهد الدمار والخسائر البشرية على أنها علامات هزيمة،
بينما يتجاهلون عمق الواقع وسيرورة الأحداث. أمام هذا الطرح، يتعين علينا أن نفكك الحقائق ونقرأ المشهد من زوايا أعمق بعيدًا عن سرديات اليأس والاستسلام.
“الهزيمة التي لم تُعلن ” إذا كان العدو في هذه المعركة قد حقق انتصاراً فعلياً كما يدّعي البعض، فلماذا لم يُعلن ذلك صراحة؟ لماذا لا يحتفل قادة الاحتلال بالنصر ويوقفون القتال؟ ولماذا يردد رئيس وزرائهم أن “المعركة لم تُحسم بعد”؟ هل يمكن أن يكون منتصرًا دون أن يدرك؟ أم أن “فطاحلنا” يدركون ما عجز هو عن رؤيته؟
” المعادلة المقلوبة ” ننظر إلى معادلة الصراع، فنجد أن العدو لم يحقق أهدافه الاستراتيجية رغم مرور أكثر من 400 يوم من التصعيد. فغزة لا تزال تقاوم، والأسلحة لا تزال تُطلق، وأسرى الاحتلال لا يزالون بيد المقاومة بشروط تفاوضية ثابتة. إذاً، كيف يمكن تفسير عجزه عن فرض شروطه أو استعادة أسراه؟
” واقع الداخل الصهيوني ” على الجانب الآخر، يشهد الداخل الصهيوني أزمات متفاقمة: نزوح مستوطنين من الشمال إلى الجنوب، امتداد القصف إلى مناطق جديدة، استقالات وإقالات في القيادة العسكرية والسياسية، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. إذا كان الاحتلال منتصرًا، فلماذا يعجز عن إيقاف هذا التآكل الداخلي؟
” نقطة التحول” إن ما يحدث اليوم في غزة ليس مجرد صمود في وجه آلة حرب همجية، بل هو بداية لنقطة التحول. فكل قوة عظمى تتعرض للاهتزاز حين تفشل في تحقيق أهدافها، خاصة عندما تُقابل بمقاومة شرسة وصمود أسطوري.
” دروس من التاريخ” غزوة الأحزاب في السيرة النبوية مثالٌ حيٌّ على ذلك. حين اجتمعت قريش وحلفاؤها لاستئصال الإسلام، كانت المعركة نقطة تحول فاصلة انتهت ليس فقط بفشل العدوان، بل بفتح مكة وإطلاق مسار الانتصارات الكبرى. وهكذا، فإن معركة غزة قد تكون الأخيرة في سلسلة الهجمات الصهيونية الهجومية، معلنةً بداية النهاية لهذا الكيان.
” النصر قادم” حين يستخدم العدو كامل قوته ويستدعي دعم حلفائه الأقوياء، ثم يفشل في تحقيق أهدافه، فإن هذا الفشل ذاته هو بداية الانكسار. وما لم يتحقق خلال 400 يوم لن يتحقق خلال 4000 يوم.
إن المقاومة لا تنتصر فقط حين تُحقق إنجازات ميدانية، بل حين تُحافظ على إرادتها وتصمد أمام آلة القتل والدمار. ومع كل يوم يمر، يقترب الشعب الفلسطيني من لحظة النصر التي وعد الله بها.
“إن نصر الله قريب”، وهذه ليست أماني الواهمين، بل حقائق الموقنين.
بين أوهام “الفطاحل” وحقائق الأرض” إن من يروّجون لهزيمة المقاومة يعتمدون في حكمهم على أرقام خسائر بشرية ومادية فقط، متجاهلين عنصر الإرادة والعزيمة، الذي شكّل على مدار التاريخ العامل الحاسم في المعارك الكبرى. إن غزة، رغم كل ما واجهته من قصف وحصار، لا تزال تثبت أنها عصية على الكسر، وأن أهلها ومقاوميها قادرون على تحويل الألم إلى قوة، والخسائر إلى دروس تقودهم نحو النصر.
أما أولئك الذين يعتلون منابر التشاؤم، ويتحدثون عن هزيمة، فهم ينظرون بعين العدو ويتبنون روايته دون إدراك أنهم بذلك يُخدمون أهدافه. في المقابل، فإن الحقيقة التي تفرضها الأرض واضحة لا لبس فيها ،، ما دام العدو لم يحقق أهدافه، وما دام يعجز عن إنهاء المعركة وفق شروطه، فإن الحديث عن انتصار له ليس إلا سراباً.
” نهاية الاحتلال وولادة عصر جديد” إن الاحتلال اليوم يعيش حالة غير مسبوقة من التخبط، فهو عاجز عن السيطرة على غزة، كما أن الضفة الغربية تشتعل بموجة مقاومة غير مسبوقة، والعمليات الفدائية في عمق الأراضي المحتلة تُضعف هيبته أمام العالم وأمام مستوطنيه. كل ذلك، إلى جانب التغيرات الإقليمية والدولية، يؤكد أن ما تعيشه غزة ليس هزيمة، بل هو إرهاصات فجر جديد.
كما أن المجتمع الصهيوني ذاته يشهد حالة انقسام داخلي حادة بين قيادته السياسية والعسكرية، مما يعكس فشلاً ذريعاً في إدارة الأزمة. القرارات المتخبطة كإقالة وزير الدفاع والحديث عن تغيير رئيس الأركان هي إشارات واضحة على أن القيادة الصهيونية تبحث عن كبش فداء، في محاولة يائسة لتغطية عجزها أمام المقاومة.
“عبرة من التاريخ ومعركة الحسم القادمة” على مر العصور، كانت المعارك الكبرى تُحسم على جبهات الصمود، وليس في ساحات القصف العشوائي. تماماً كما كانت غزوة الأحزاب نقطة تحول في تاريخ الإسلام، فإن معركة غزة اليوم تمثل الزلزال الذي سيُغير وجه الصراع مع الاحتلال. المقاومة اليوم لا تدافع عن غزة فقط، بل تحمل مشروعاً أكبر، مشروع تحرير الأرض واستعادة الحقوق المسلوبة.
“رسالة الأمل والثبات ” لأهل غزة، ولكل من يقاوم، نُذكّر بسنة الله في نصر المظلوم على الظالم. إن الأزمات العظمى تُنتج أعظم الانتصارات، ومهما طال أمد المعركة، فإن النصر حتمي وقريب. يكفي أن العدو يقف عاجزاً عن إعلان النصر أو إنهاء القتال بشروطه، ويكفي أن المقاومة ما زالت تقاوم بشجاعة وإيمان.
أما “فطاحل أمتنا”، فنقول لهم: إنكم واهمون إن ظننتم أن الحسابات الرقمية وحدها تصنع النصر. فالمعركة الحقيقية هي معركة الإرادة، وغزة أثبتت، وستثبت دائماً، أن الإرادة الصلبة تهزم الجيوش مهما كانت قوتها.
” إنها معركة الصبر والثبات، ونهايتها قريبة جدا ، النصر قادم ” بعون الله “