أرضٌ للحشد وأمانٌ للعاصمة..!
علي جاسب الموسوي ||
21/11/2024
تفكيك إرث الطوق الطائفي:
لطالما كان حزام بغداد جرحًا مفتوحًا على مدى عقود، ضحية مشاريع التغيير الديموغرافي التي تعمد الطاغية صدام وأتباعه إلى تكريسها لإحاطة العاصمة بمناطق ذات لون طائفي واحد، إقصاءً واستهدافًا لوجود الشيعة في تلك البقعة الحساسة من البلاد ..
ورغم تغير الزمن وتبدل الحكومات، فإن إرث ذلك المشروع الطائفي ما زال قائمًا، سواء عبر الواقع السكاني أو غياب الرؤية الاستراتيجية لإعادة تشكيل تلك المناطق بما يحقق العدالة والتوازن والأمن الوطني.
الأرض بدل الشقق:
إن طرح توزيع الأراضي السكنية في أطراف بغداد الشمالية والغربية كبديل عن بناء الشقق هو رؤية استراتيجية تمتد إلى أكثر من بعد:
1📌 البعد الاقتصادي: الأراضي الزراعية في تلك المناطق منخفضة التكلفة، ما يجعل تحويلها إلى سكنية أقل عبئًا على الدولة وأكثر جدوى للمنتفعين .. إضافة إلى ذلك، فإن توفير قروض بناء طويلة الأمد لمنتسبي هيئة الحشد الشعبي يتيح لهم إقامة مساكن متينة، ويضمن استثمارًا اقتصاديًا فعّالًا يصب في تنمية المنطقة كذلك يخفف الضغط على مركز العاصمة.
2📌 البعد الديموغرافي: هذا المشروع يحمل أبعادًا حيوية لتصحيح التوازن السكاني في حزام بغداد، عبر تمكين الأسر الشيعية، لا سيما من عوائل الشهداء والمجاهدين، من العودة إلى المناطق التي هُجّروا منها قسرًا، وإعادة تشكيل الطابع الديموغرافي الذي استهدفه النظام البائد بسياسات القتل والتهجير.
3📌 البعد الأمني: حزام بغداد لم يكن يومًا بعيدًا عن المخاطر الأمنية، بل إنه كان وما زال منطقة انطلاق للتهديدات ضد العاصمة. وجود سكان متجذرين بولاء وطني ومذهبي، كمنتسبي الحشد الشعبي وعوائلهم، يخلق طوق أمان حقيقي يحمي بغداد من الاختراقات الإرهابية والطائفية.
4📌 البعد السياسي: مثل هذه الخطوة تعيد الثقة بين الدولة وأبناء الحشد الشعبي، الذين قدموا دماءهم في ساحات القتال، وما زالوا يعانون التهميش في مشاريع الإسكان .. كما أنها رسالة واضحة ضد محاولات إعادة إنتاج الطائفية أو استغلال المناطق لإشعال فتيل الفتنة مجددًا.
5📌 البعد الجغرافي والاستراتيجي: امتلاك أبناء الحشد الشعبي أراضي في حزام بغداد يسهم في خلق شبكة جغرافية مترابطة تشكل خط دفاع ديموغرافي قوي حول العاصمة، بدلاً من ترك هذه المناطق فريسة للفراغ السكاني أو استغلالها من قبل الأطراف المعادية.
واجب وطني وشرعي
إن هذا المشروع ليس ترفًا أو خيارًا مستحبًا، بل هو واجب شرعي ووطني. قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) (النساء: 58)، وأي أمانة أعظم من رد الحقوق إلى عوائل الشهداء والمجاهدين الذين حفظوا البلاد من السقوط بيد الإرهاب؟
إنه واجب على القيادات المعنية، لا سيما في هيئة الحشد الشعبي، أن تتحرك لتحقيق هذه الرؤية .. فإهمال هذا الملف يُبقي الحزام الشمالي والغربي لبغداد قنبلة موقوتة، ويُفشل كل الجهود الرامية إلى ترسيخ الأمن والاستقرار.
دعوة للتغيير الجاد
إلى متى تبقى أصواتنا تتردد في فراغٍ لا يُسمع؟ إلى متى يُهمل هذا الملف الحيوي رغم وضوح أبعاده وأهميته؟ إن الوقت قد حان لتُتخذ قرارات شجاعة تُعيد الحق إلى أصحابه، وتُرسي قواعد جديدة لعدالة سكانية وأمن جغرافي يليقان بعاصمة العراق.
إن مشروع الأراضي في حزام بغداد ليس مجرد فكرة؛ إنه خطوة نحو إنهاء إرث الظلم الذي رسخه الطاغية، ورد اعتبار الشيعة الذين هُجروا وقتلوا وعانوا من التمييز .. إنها ضرورة ملحة لحماية بغداد وأبنائها من أي تهديد مستقبلي.