المقاصدُ الضائعة..في الأغلاطِ الشائعة(42)

منذ 3 سنوات
الأحد - 05 مايو 2024


إعـداد : محمد الجاسم ||

” تَعَلَّموا العربيَّةَ.. وعَلِّمُوها النـاسَ” ـ حديثٌ شريف
تزخرُ لغتُنا العربيةُ المعاصرة بكمٍّ هائلٍ من كلماتٍ دخيلةٍ أو مغلوطةٍ أو محـرَّفةٍ . وبمرورِ الزمنِ والتداولِ اليوميِّ على الألسنِ وفي الكتب الرسمية والمخاطبات العامة ووسائل الإعلام والصِّحافة والرسائل الجامعية ومنجزات المبدعين الأدبية ويافطات أسماء الدوائر والمحالّ التجارية وعيادات الأطباء وغيرها، قد تسللت إلى لغتنا خلسة، حتى أصبحت من فرط تناقلها واستخدامها شائعةً ومقبولةً لدى القارئ والسامع ، ورسخت في الأذهان وانطلت على المتداولين إلا لذوي التخصص، فأمست المقاصدُ ضائعة ، في خضمِّ الأغلاطِ الشائعة.
لذلك أعددت لكم أحبتي ـ لمناسبة شهر رمضان المبارك من العام 1442ـ ثلاثين حلقة جديدة من سلسلة تصويباتٍ منتخبة، امتداداً لحلقات رمضان العام 1441، واستكمالاً لعمودي اللغوي الذي واظبت على تحريره زمناً في صحيفة (المصور العربي) التي أصدرَتْها جمعيةُ المصورين العراقيين في بغداد أواسطَ ونهايةَ التسعينات من القرن العشرين تحت عنوان (إضاءةٌ في التراث).
(42)
غيابُ الحنكةِ والتدبير.. في مخاطباتِ السيدِ الوزير!
( الجزء الثاني ) من الحلقةِ الخاصةِ بكتابِ وزيرِ الثقافةِ المعنونِ الى وزارة الخارجية ـ دائرة أوروبا ،بخصوص دعم الشاعر سعدي يوسف، الذي وردت فيه بضعة أغلاط ،لا تليق بوزارة معرفية ،مثل وزارة الثقافة والسياحة والآثار، في عراق المتنبي والجاحظ والفراهيدي والدؤلي وابن جنّي.
ـ ( وهو في العقد التاسع ) ، العقد التاسع من ماذا..ألم يكن من الأفضل القول ( وهو في العقد التاسع من العمر )..؟
ـ ( من أعظم الشعراء المعاصرين )..وردت كلمة ( أعظم ) وهي أفعل التفضيل ، الاسم المصوغ على وزن ( أَفْعَل ) ، ويراد منه المفاضلة بين شيئين ،أو شخصين ،اشتركا في صفة ،وزاد أحدهما على الآخر فيها ، على أن يلي أفعل التفضيل حرف الجر (من) للمفاضلة ،كقولنا :(حسين أشعر من خالد ) و (أحمد أفصح من أخيه ) وليس يأتي أفعل التفضيل مسبوقاً بحرف الجر (من)..هذا غير جائز في العربية..وثمة تفاصيل أخرى في هذا المبحث لدى النحاة، وكان على السيد الوزير أن يكتب في مدح شاعر يراه (عظيماً) ويراه غيره (وضيعاً ) ،هكذا:( من أعاظم الشعراء المعاصرين ) ، قال تعالى : ” ورحمةُ ربِّكَ خيرٌ مِمَّا يجمعون ” الزخرف32
وقال تعالى :” أنا أكثرُ منك مالاً وأعزُّ نفرا ” الكهف43.
ـ ( أحد عمالقة الشعر العربي ) ، العَمالِقة هم قوم من وُلْدِ عمْلِيق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام ،وهم أمم تفوَّقوا في البلاد ، السيد الوزير يقصد أن شاعره كان (عملاقاً)،وهنا جمعها ( عماليق ) ، وليس (عمالقة) ، قال الشاعر الأقيشر السعدي :
” أَقُولُ وَالكَأْسُ فِي كَفِّي أُقَلِّبُها … أُخَاطِبُ الصِّيدَ أَبْناءَ العمالِيقِ “.
والوصف الدقيق للشاعر سعدي يوسف أنه كان من (صراصير) الشعر العربي وليس من (عماليقه)..
ـ ( راجين توجيه سعادة سفير العراق في لندن زيارة الشاعر ) ، التوجيه هو المصدر من الفعل الرباعي ( وَجَّهَ ) من الوِجْهَةِ والإتّجاه ، وعليه يلزم أن تلحق به (لام) أو (إلى)..كقوله تعالى :
ـ ” ِإنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖوَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ” الأنعام 79
ولم يقل تعالى ( ِإنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ الَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ )، وعليه وجب أن يقول السيد الوزير كالآتي : ( راجين توجيه سعادة سفير العراق في لندن لزيارة الشاعر ) !
ـ إن إطلاق لقب السعادة والمعالي والفخامة والدولة والسمو ، وغيرها من ألقاب التعظيم ، على أصحاب مناصب من قِبَلِ أشخاص إما أن يكونوا أدنى منهم ، كالقنصل ومنتسبي السلك الدبلوماسي التابعين للسفارة ، يخاطبون السفير بلقب ( سعادة السفير )،وإما أن يكونوا نظراءَهم ، فالسفير يمكن أن يخاطب سفيراً آخر بلقب ( سعادة السفير)..ولكن لايليق بالوزير أن يخاطب سفيراً ( أدنى منه ) بلقب ( سعادة السفير ).

ورُبَّ قول ..أنفذُ مِنْ صَوْل..