الثلاثاء - 22 اكتوبر 2024

حرب صعبة وليست مسبوقة..ولكن..!

منذ 5 أيام
الثلاثاء - 22 اكتوبر 2024

السيد بلال وهبي ـ لبنان ||

هذه الحرب صعبة وغير مسبوقة لناحية اتساع رقعتها، وأهدافها، والسكوت العالمي المريع، والدعم غير محدود، والإمعان في القتل والتدمير، وعدد السعداء، ونوعيتهم، وكونها بلا أُفُق واضح. وهذا جانب مُظلم بلا شَكّ.

في هذا الجانب نحن الناس ليس أمامنا خيار إلا أن نصبر، ونثبت، ونتعاون، ونتكافل، ونضع خلافاتنا الأسرية، والاجتماعية، والوطنية جانباً، ونُعَمِّق صِلاتنا الإنسانية والاجتماعية والوطنية.

هناك جانب إيجابي لهذه المِحنَة، والمِحنُ ليست سلبية بالمطلق، فإن الشَّرَّ يحمل في طَيَّاته الخير دائماً، لكننا نحن البشر لأننا نقصر نظرنا على ظاهر الأمور، ولأننا نقصره أيضاً على اللحظة الراهِنة فإننا لا نرى الخير، إلا مَن أوتِيَ حظّاً من البصيرة واليَقين، وفهم عميق لسُنَنِ الله الجارية. فهذا يدرك الخير الذي ينمو -شيئاً فشيئاً- في باطن الشَّرِّ، ويدرك أن الكلمة العليا هي لله، وأن الجَولة النهائية هي للحق الذي يقذف الله به الباطل فيدمغه فإذا هو زاهِق.

الجانب الإيجابي في هذه المِحنة يتمثَّل في اكتشافنا أنفسنا، أنفسنا التي لهونا عنها كثيراً في زحمة الحياة وصخبها، نحن الآن نكتشف معدنها الحقيقي.

ويتمثَّل في اكتشاف إنسانيتنا، هل نحن بشر حقيقيون، هل مشاعرنا الإنسانية لم تزل على صفائها ونقائها حين وُلِدنا في هذه الحياة؟.

ويتمثَّل في اكتشاف مدى قُدرتنا على العفو، والصفح، والتجاوز، والتغافل، والاهتمام بما هو أولى وأهم.

ويتمثَّل في اكتشاف قدرتنا على اتخاذ الموقف الملائم، هل نُؤَيِّد القاتل ونعينه على المقتول المظلوم، أم نؤيد المظلوم ونٌعينه على الظالم ولو بالكلمة، أو الدعاء والرجاء، أم نقف على التَّلِّ ولسان حالنا (يصطفلوا، بالعامية اللبنانية) ؟

ويتمثَّل في اكتشاف قدرتنا على الصبر والثبات، مهما عَظُمَت المِحَنُ والنوازِل.

ويتمثَّل في اكتشاف هل أننا أهل بصيرة، أم سطحيون نميل مع كل ريح. ويتمثل في اكتشاف حقيقة إيماننا، هل إيماننا بالله ووعوده مستقر أم مستودع، هل حقاً نُحسِنُ الظَّنَّ بالله، هل نتوكَل عليه حقيقة، هل نفوِّض أمورَنا إليه، هل نحن راضون عنه، هل نلجأ إليه بقلوب ملؤها اليقين بأنه الواحد القَهَّار؟!

هذه المِحنة فُسحَة للعودة إلى الذات لاكتشافها من جديد، لمعرفة جوانب الضَّعف والقُوَّة فيها، وفُسحة لإعادة صياغتها من جديد، ورسم مصائرنا كما ينبغي.

فتعالوا يا أخوتي إلى أن نعيد أنفسنا إلى الفطرة التي فطرها الله عليها، ونعمل على تعميق علاقتنا بالله، ونُقبل عليه بالدعاء والاستغاثة والاستنصار به، لأننا إن لم نرجع إليه في هذه المِحنَة فمتى نرجع، وإن لم نستغث به الآن فمتى نستغيث،؟!

ولنتأسَّ بأولئك الموقنين الأوائل الذين وصفهم الله لنا بقوله الكريم:

“الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿172﴾ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿173﴾ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴿174﴾ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿175/ آل عمران﴾