الثلاثاء - 22 اكتوبر 2024
منذ 18 ثانية
الثلاثاء - 22 اكتوبر 2024

رياض الفرطوسي ||

كتب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (1935 – 2003) كتابًا بعنوان (سلام بلا أرض) عام 1993، متنبئًا منذ وقت مبكر بأن اتفاقية أوسلو لن تقود إلى إقامة دولة فلسطينية حقيقية. وله كتاب آخر سبق كتابه (سلام بلا أرض) وهو (غزة – أريحا) الذي تضمن انتقادات لاتفاق أوسلو، واعتبر هذا الاتفاق نوعًا من الاستسلام والشعور بالعجز.

يقول إدوارد سعيد: “أي فلسطيني يلاحظ أن كل مذبحة تُرتكب بحق شعبنا لا تُدرج أبدًا في إطار الإرهاب، بل تُعزى إلى مسلح منفرد.”

ولأن الرهان ليس على متعهدين أو مسؤولي بلديات يتم استبدالهم أو تغييرهم عند الحاجة، كانت الأم الفلسطينية وَلودًا لتنجب الأبطال والأحرار الذين يقاتلون حتى الرمق الأخير. تحاول الدعاية الرسمية الغربية والإسرائيلية تصوير الصراع التاريخي مع الفلسطينيين على أنه مشكلة مع هذا الشخص أو ذاك الرمز، وبقتله تنتهي المشكلة ويُغلق الحساب.

وهذا نوع من أنواع الخداع واستراتيجيات التضليل الإعلامي من أجل صرف النظر عن المجازر التي تُرتكب كل يوم، والأرض التي تُسرق وتُستباح.

ما حصل في غزة قلب معادلات العالم، وجعل قضية فلسطين تتصدر وسائل الإعلام العالمية، وأيقظ ضمير العالم حتى خرجت المظاهرات التي تندد بطمس الحقائق والتضامن مع الشعب الفلسطيني.

الكثير من قادة حماس والجهاد الإسلامي ومنظمة التحرير تم اغتيالهم وتصفيتهم، لكن لم تستطع قوى الشر حتى الآن اغتيال الفكرة والقضية والهدف. ففي كل حقبة يُولد جيل من التمرد والصمود والتحدي أكثر شراسة وبسالة وبأسًا، ولدينا في لبنان دليل آخر.

المشكلة أن العالم الغربي، بنظرته العنصرية والطبقية، لا يريد فهم العربي والمسلم وكيف يفكر، ونظرته للعقيدة والأرض والموت والحياة. أصحاب القضية لا يخافون الموت لأنهم يريدونه.

أجمع قادة أوروبا بعد مقتل السنوار أن الفرصة متاحة لوقف الحرب بعد أن أزيلت عقبة من عقبات السلام كما يعتقدون، وجاءت الفرصة للبحث عن دمية ذليلة وتابعة.

يقول وزير الدفاع الصهيوني: “إسرائيل أنهت حسابًا طويل الأمد مع يحيى السنوار، أغلقنا الحساب مع السنوار الذي يتحمل مسؤولية هجوم 7 أكتوبر، ذلك اليوم الصعب في تاريخنا.” هم يريدون حصر الصراع مع أشخاص. لو عددنا الشخصيات والقادة الذين تم اغتيالهم من قبل إسرائيل في فلسطين وخارجها، لاحتجنا إلى قائمة طويلة جدًا.

يعتقدون أن إسرائيل ستكون آمنة بعد إغلاق حسابات هؤلاء، وهذا منطق الحماقة والجهل والقوة. بدائية التوحش التي أظهرتها القنوات العبرية وهي تحتفل بصور جثة السنوار وهو يحتضن سلاحه، ليست غريبة على نوع الرجال الكبار، يترجلون بعد أن سلموا الراية إلى جيل جديد أكثر شجاعة وقوة وكفاءة. سيفهم المحتل لاحقًا أن نهاية الصراع لا تنتهي بنهاية شخص أو موت قائد، لأن هؤلاء سيتحولون إلى ذاكرة وتاريخ ورمزية.

لقد غيرت قضية فلسطين الوعي العام للعالم، وكشفت تلك الأقنعة المظللة التي خلقها الغرب السياسي عن إسرائيل، حتى تحولت إسرائيل إلى دولة منبوذة على خلفية الإبادة الجماعية في غزة.

حذر الخبير العسكري والجنرال الإسرائيلي إسحاق بريك قبل طوفان الأقصى من أن “قطيعًا من قادتنا الحمقى يقودوننا نحو خطر وجودي، وأن فكرة تركيع إيران وقطع صلاتها بأذرعها ليست أهدافًا واقعية.” حتى انهالت عليه الشتائم واتُهم بالخرف.

الأكثر إثارة هو نشر صحيفة هآرتس أن إسرائيل في طريقها إلى الانهيار، وسيكون ذلك في غضون عام إذا استمرت حرب الاستنزاف ضد حزب الله وحماس.

إعلام دول الخليج ودكاكينه التي تعودت أن تشعل الحرائق في دول عربية كثيرة، منها سوريا، يمارس الآن الأمر نفسه مع قضية غزة ولبنان. العقل البدائي الذي يختبئ خلف الأبراج وناطحات السحاب هو عقل سطحي وبدائي، لذلك يكثرون من الضجيج ولا يُثير الضجيج إلا العقول التافهة والصغيرة.

كتب كريستوفر دافيدسون، وهو عالم وخبير في سياسات الشرق الأوسط وعضو باحث في جامعة درهام، كتابًا بعنوان (دبي: هشاشة النجاح)، تحدث فيه عن تداعي دكاكين الخليج وأن هؤلاء الحكام نقلوا الصراعات الداخلية التي يواجهونها إلى الخارج، لبعض الدول العربية ودمرتها عن طريق منظمات إرهابية وجماعات سياسية موالية.

حتى وصل بهم الحال إلى منع ارتداء الكوفية كنوع من التضامن مع فلسطين. د

لقد حاولوا اعتقال الحقائق، لكن دماء الشهداء والأبرياء كانت تسونامي من أجل الحرية والموت وقوفًا.