الثلاثاء - 22 اكتوبر 2024
منذ يومين
الثلاثاء - 22 اكتوبر 2024

الدكتور عامر الربيعي ||

 

رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية العربية – الاوربية

فالأنظمة الهشة التي تتبنى مفاهيم الانحطاط في حركتها لا تستطيع تركيع الشعوب الحية وامتلاك الأرض.

تعتبر اطلالة العام 2024 على بعض بقاع الأرض مؤلمة , اطلالة تحمل إشارات لمراحل عنف ,بدأت وتيرتها في التصاعد في غرب اسيا وتحديدا في غزة , جرت وما زالت تجري بين ظهرانيها احداث جسام تؤرخ لأبشع إبادة تقوم بها الأنظمة السياسية المتوالدة عن المذهب الرأسمالي, بماديته المفرطة ,يحمل معاول الهدم , فينقض على الكينونة الاجتماعية عابثا بالجغرافيا , يهدم النسيج الاجتماعي , مصاحبا ذلك تغيير ديموغرافي , وتهجير قسري , تدمير البناء الفوقي والتحتي للمجتمع , فلا يقف امامه لا بشر ولا حجر الا التقمه بجشع, مثال على ذلك ما يحدث يوميا في غزة , وتوسعه كمرحلة ثانية الى لبنان.

سيكون هذا التحليل المبسط كمحاولة لاستقراء أسباب هذه الدموية المتبعة التي تنبعث برائحتها النتة من عمق الراسمالية , وما الذي قدمته الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم أمريكا, وبما ان للرئيس الأمريكي [جوزيف بايدن] فديو مصور يعود الى ثمانينيات القرن الماضي يتفاخر في قدرة وذكاء النظام الليبرلي باطاره العام ,على تأسيس لكيان جيوسياسي وجيوعقائدي توسعي في فلسطين, حمل اسما دينا يعود لاحد الأنبياء , وهو ما يعرف اليوم باسم [ إسرائيل] كذراع له في قارة مفعمة بالانبعاث الحضاري, وبما ان اجندة العقل الأنجلوسكسونية تنصب في كيفية ادامة احياء هذا الكيان بابعاده [ الجيوسياسية والجيواقتصادية والعقائدية] في ظل محور غرب اسيا الثري بهذه الابعاد ,تطلب ذلك التوجيه ,والبحث الدائم عن أساليب متجددة , تناسب سيادة النسق الحضاري الموجود, لاجل للبقاء والحركة والتغيير مرحليا , وبما ان نتيجة هذا التوجيه النظري سيأخذ طريقه عمليا على الجغرافيا ,سيكون له تداعياته التي ستنزل حكما على البنية الاجتماعية وهذا ما تعانية الجزيرة العربية وخاصة فلسطين [غزة] .

ارضنا الطيبة فلسطين , يتصاعد من ازقتها عبير الحضارة , تنشد حواري القدس القديمة كلمات محمد [ص] والمسيح [ع], فتكبر الماذن وتدق الاجراس لإعلان الخلود والسلام في روابينا تحت سقف واحد, تنتمي فلسطين جغرافيا للمشرق العربي الذي يعتبر جزء من وطن عربي كبير يتوسط قارات العالم الخمس، والمحاط بضفاف بحرية داخلية وخارجية ,واحد دول العالم الإسلامي البالغ عدد نفوسهم ما يقارب المليارين.

تعاني غزة اليوم من إبادة توغل في القتل والاجرام وبطرق يندى لها جبين الإنسانية , فلسطين الطيبة بما تحمله من انتماء لأرث حضاري تتعرض لدمار شامل ,في ظل النظام العالمي القائم وبشاعة خطاه امام أجيال فلسطين .., نظام اظهر عجزه امام همجية القائمين على هذه الابادة ,نظام وصل الى نهايات لا يحمل بين جنباته الا الاصطدام , لم يعد لمؤسساته الدولية ولأنظمته [ القضائية والإنسانية] المتعددة أي مبرر للبقاء -قصف الكيان الصهيوني هذه المؤسسات أيضا – اذا لا يستطيع ان يتحكم في لجم , وإيقاف إبادة أي شعب من الشعوب, اذن نحن امام نظام عالمي يتأكل , او يراد له ان يظهر بمظهر المتآكل , لاحداث التغيير المنشود لكي يطال كل النظام العالمي لتخرجه الصهيوامبريالية وفق مقاسها لتكون القطب الأقوى كما تريد , عالم بدأ يعي حقيقة الجمود السياسي التي تعاني منه الأنظمة امام هذه الوحشية ,فما بالك بفلسطين , التي تعاني منذ اكثر من سبعين عاما.

كنا نظن الى وقت قريب، ان الإنسانية قد طوت صفحة الهمجية, لانها وصلت الى رقي تكنلوجي, عالم قريب وبعيد ,عالم افتراضي كل شيء فيه ممكن , وكل شيء فيه كسراب بقيعة , يحسبه الظمآن ماءا, في حقيقته عالم افتراضي يفرض الجمود الواقعي يذيب العلاقة بين العقل والواقع, لتبني انسانا مكبلا بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي , بديل عن مقولة الفيلسوف ديكارت [ انا افكر اذن انا موجود] , فلم يعد الانسان موجودا وانما هناك روبوت يفكر عنه ويعطيه المادة جاهزة ايا كان الموضوع.

اثبتت الاحداث الجارية في فلسطين ولبنان , ان هناك شرخا إنسانيا واخلاقيا كبير تقوم عليه الفلسفة المادية في تفسيرها للعديد من المفاهيم سواء كمعنى الإنسان وظيفته في الوجود , او تفسير مفهوم الحركة فلماذا خُلقنا نتحرك , لاجل أي هدف , وإخفاقها في تفسير القوة ,اوفي كيفية توظيفها في العامل الأخلاقي والإنساني تجاه الاخر, او الكيفية التي يجب ان تبنى عليها البنية الاجتماعية, ومدى الانسجام بين النظام الحاكم والمجتمع, بشكل عام بعد هذه الاحداث الدامية في غرب اسيا يتوسع حجم الفشل الذي منيت به المادية في كيفية تأسيسها لجهاز الدولة.

وبالتالي فنحن امام إشكاليات عدة، وخاصة وان العالم شهد تغييرات جوهرية في وظيفة الدولة، وماهي طبيعة النظام الاجتماعي المتبنى ووظيفة مؤسساته في خدمة المجتمع والاسرة والفرد, الذي عن طريقة يستطيع الفرد ان يحيا حياة امنة , تغيير مس القواعد التأسيسية للنظام الرأسمالي الذي بقي لقرون عديدة ينادي ويرفع صوته عاليا من انه النظام الاصلح والأمثل في قيادة البشرية , لأنه من وجهة نظره, القوة الوحيدة المؤهلة للتعبير من خلال نظام سياسي حاكم عن مفاهيم الحرية والديمقراطية لتاخذ مسارها في بناء مجتمع ديمقراطي .

تبقى إشكالية : كيف لمذهب يدعي الكمال في قيادة البشرية ان يربط امنه القومي بامن دولة ساهم في تاسيسها في العام 1948 في فلسطين , لماذا ربطت أمريكا نفسها كحلقة كبرى , بحلقة صغرى ذات إشكاليات تاسيسية تؤثر في منطقة المشرق العربي ومن خلفه غرب اسيا, ومن خلفه المسار العالمي , [امريكا وإسرائيل] من يلد من ؟

هذا التأسيس للكيان الصهيوني ومن خلال مراحل الصراع التي مر بها العالم العربي وفلسطين تحديدا, ساهم في تراكم المقاومة التي فرضت تغير في موازين القوى وفي إعادة توجيه حركة الملاحة واليابس, اعطى تفسيرا جديد لمفهوم القوة في الساحة العالمية ,اسقط حقيقة ادعاء النظام الرأسمالي بماديته انه النظام الاكفأ في قيادة انسان العصر الحديث او قدرته على إيجاد النظام الاجتماعي الصالح للبشرية.

فرض هذه التغير قوى نامية ظهرت في غرب اسيا, فسرت هذه القوة من خلال مقاومتها للأطماع الصهيوامبريالية ,ومن ان أمريكا الناشئة لا تعدوا عن كونها جزيرة في وسط المحيط , يحدها من الشمال المحيط المنجمد , وجنوبا يلاحقها رعب هجرات شعوب أمريكا اللاتينية ,عالم احادي يتفرد مستثمرا موقعه الجغرافي في اقصى الأرض ,مصدرا رؤوس أمواله للقارات لاجل زيادته مختبئً بأجندات مستشاريه, يتراوح بين أيديولوجية النهايات وايدولوجية الارتطام من اعلى الى الأسفل , تدعم أمريكا وعلنا حرب ابادة يقوم بها الكيان الصهيوني, امريكا التي تقدم نفسها قوة مهيمنة في عالم احادي القطبية , ومعنية بما يعرف بالنظام العالمي ومسار الاحداث الجيوسياسية فيه, تصدر للعالم اخلاقيتها اللانسانية ,وهذا يعطي تفسير من انها تقوم باستثمار فشلها في السيطرة على موازين القوى العالمي الذي اخذ ينتج افاقا لنسق دولي جديد متعدد الأقطاب , فتتحد حركتها الجيوسياسية في غرب اسيا مع حركة الكيان الصهيوني , لإبراز تغيير تريده هي ولو بالقوة والعنف , وهذا تطلب منها تجميد فعالية المؤسسات الدولية , كما تطلب منها استخدام ثقلها كنسق رأسمالي بدائرته الكبيرة ولو بأسقاط حرياته الأربع نظامه السياسي بحركة الكيان الصهيوني , يبين نوعا من حالة الارتطام الذي تعانيه أمريكا في الحقيقة, وانه لا بد من إعادة احياء اجندة الشرق الأوسط الكبير, والقيام بالاغتيالات لقيادات المقاومة التي تحمل هي الأخرى مشروعها في تحرير بلادها .

بالمقابل كيف فسرت أمريكا لناشئة انخراطها في بناء علاقاتها مع دول العالم او القارات الأخرى؟ فكما هو معلوم لدى الجميع ان المجتمع الأمريكي مجتمع متعدد الأعراق والقوميات، قام على اكتاف مهاجرين برجوازيين او عبيد من مختلف دول العالم وخاصة الدول الانكلوساكسونية, تميزت هذه الحقبة بالدموية في الداخل والخارج ,ذراعها الاستحواذ على مصادر الثروة أينما تكن, لاجل ان يتم اظهار دولة سميت بامريكا تكونت من مجموعة من الولايات.

نظام قائم على عقيدة رأسمالية، لديها القاعدة الفكرية نظر لها واسسها مجموعة من الفلاسفة والمفكرين من مدارس محتلفة, تناوبوا في اثراء حركة هذه الدولة , وبمجموعهم عبر التاريخ يجدون التبريرات التي يحاولون ان يجعلوها واقعية في تفسير , الله جل في علاه , الكون , الوجود , الانسان , الفكر ,الفلسفة , اقصاء الفلسفة, العلم ودوره ووظيفته ,فمرت بمراحل تخبط في تحديد وظيفة كل هذه المفاهيم , الى ان وصل التنظير الفكري لديهم بان يتم اختزاله في العصر الحديث على سطح الأرض والخيرات الكامنة فيه, فكانوا يحاولون الجمع بين المادة و الحركة والقوة والسلطة، وتوظيف بقية المفاهيم لتصب لصالح حركة الجيوبوليتك, استثمروا سطح الأرض بخلق موازين للقوة ,فنشطت الثورات الصناعية ,وازدهرت صناعة السلاح ,واندلعت الحروب التي حركت عجلة الصناعة بطاقات قصوى , وزيادة الإنتاج الذي حفز مالكيه بالبحث عن أماكن ومستعمرات كسوق للعرض , وقاعدة لزيادة راس المال المالي , وقوة استعمارية تتسلط من خلال المال الذي يضخ في الجغرافيا المفتوحة, فكان السباق محموم في جوانب [ الجيوسياسي , والجيواقتصادي, وصناعة السلاح ].

التفنن في سباق صناعة الموت , ولد هوسا لدى صناع السلاح في اكتشاف أسلحة ذات قوة تدميرية عالية فظهرالسلاح النووي الفتاك وليس ضدفة ان تقوم أمريكا اول من استخدمه ضد اليابان , الذي انقلب فيما بعد كسلاح للردع في الحروب لتوازن القوة عند طرفي النزاع , فنقلوا سباق التسلح الى الفضاء , ومن هو الأسبق في رسم خطاه على ارض القمر.

استطرادا على ما سبق يتبين ان الأساس الذي تقف عليه الامبريالية الامريكية، وأشار له أريك هوبرباوم في كتابة راس المال في الفترة [1848-1875] من ان رأسمالية الاحتكار جاءت نتيجة لتغيرات طرأت على بنية التنظيم الاقتصادي. والامر في حقيقته هي تغير في تطلع وأولويات النظام السياسي الذي يضمن بقاء تفاعل هدف هذا النظام مع الجيوبوليتك وخرائط الدول باعتبارها أسواق مفتوحة للقوة القادمة في ظل تبعية اقتصادية تؤسس نظام اقتصادي عالمي بقيادة واحدة ليخلق دولا استهلاكية.

إشكالية : هل نجح المذهب الراسمالي في تثبيت نظامه الاقتصادي أعلاه؟

اخذ علم الجيوبوليتك بالتطور، كلما طرأت اهدفا جديدة، فتنوعت النظريات واخذت ابعادا في ابتكار علوم في تقسيم الأرض التي يعيش عليها الانسان, انطلقت هذه رؤية من القاعدة الفكرية التي اختزلت بسطح الأرض فقط , بعيدا عن فهمهم للكون , وما يمثله دور الفلسفة في تفسير المكان والزمان والتاريخ, وقبل كل شيء تفسير الانسان ككائن حي يملك الفكر والحركة والابداع .

فتم تقسيم الرقعة الجغرافية المكونة للأرض على بديهيات [ اليابس , الماء] مستخدمين مفهوم القوة بين اليابس الماء عسكريا , لابراز خارطة جديدة للصراع بين اليابس والماء , وانطلقوا لاعتبار ان القوة المنبثقة من الماء اقوى ,من القوة المنبثقة من اليابس , لما يتمتع به من حرية في توجيه الحركة وافاق في احراز النجاح لبدايات, فتداخلت حركة [المادة = راس المال ] المدفوعة بقوة وإرادة [محركيها= أصحاب رؤوس المال] بالاستيلاء على اليابسة, واستثمار الماء من خلال الاستئثار بمفهوم القوة الذي يفرضه سيادة العامل الحضاري ,كعامل مؤثر في تحقيق الهيمنة على الجغرافية السياسية لتحقيق العالمية, ,برزت على اثرها مفاهيم القوة التدميرية الحاصلة من البر , والقوة التدميرية الحاصلة من استخدام الماء, وذهب مجموعة من المفكرين الى التوسيع وتعميق تفكيك الوجود الإنساني الى إعادة توزيع واقتسام دول العالم.
الإشكاليات :

– هل ما وضعه علم الجغرافيا السياسية من نظريات , تعتبر نظريات حتمية لا بد من ان يسير مستقبل التاريخ الإنساني عليها؟

-هل يوجد ميزان للقوة يتحرك بشرف … وان كان الجواب بنعم , فاين , وخاصة وان القوة مفهوم يجسده الانسان وفق ما يحمله من قيم أخلاقية وما توفرت لدية من قيم مادية؟

من ابرز مؤسسي المدرسة الجيوسياسية الامريكية , الاميرال ماهان , بروكس دامس , نيكولاس سبيكمان , تطلع هولاء الى اليابس والماء بجشع كما تطلع من سبقهم ادم سمث الى البراري الشاسعة يحذوه امل الاستحواذ على ما تحتويه هذه الأرض الباكر, فظهرت على يديهم [القوة والسلطة عن طريق البر] و[القوة والسلطة عن طريق البحر ] في جغرافيا سبقتهم اليها اسبانيا وهولندا والبرتغال وفرنسا وبريطانيا , فكيف استطاعوا من التغلب عليهم , لتجعل أمريكا من هذه الدول اتباع لخطواتها , سعيها الحثيث على عدم تحقيق الارمادا كما يصلح عليها الكسندر دوغين في كتابه أسس الجيوبوليتكا , على الرغم من محاولات المؤلف التركيز على مخاوف الولايات المتحدة من تحقيق هذه الارمادا على المنطقة الاوراسية وتحديدا علق دوغين على العلاقة بين روسيا وألمانيا باعتبارها شعوب بلشفية تنتمي الى اصل حضاري واحد.

على الرغم من المأخذ على إعطاء هذه الثقل الوجودي لتحقق الارمادا وتعليقه على المانيا تحديدا فيه وجهة نظر من جهة, ومن جهة ثانية نلاحظ ان هذه الارمادا حاولت أمريكا اختزالها لتدعيم نفسها بعد ان اختزلت الجغرافية السياسية للدول الانكلوساكسونية لتصب لصالح تفوق المذهب الرأسمالي او ما يعرف بفتوحات حركة راس المال, ولا يعدو اليوم دور المانيا فيه الا اتباع سياسة السير مع قطيع الكاوبوي وخاصة بعد إعلانها الوقوف الى جانب الكيان الصهيوني في ابادته للشعوب الفلسطيني واللبناني, وبقيت اوروبا تتأرجح بين ابعادها الإقليمية وابعاد النظام الرأسمالي الجيوسياسية.

وخاصة وان معظم دول الاتحاد الأوربي ضغوط داخلية , بعضا منه سياسية وأخرى اجتماعية , كالدوافع والاهداف المحركة لقوى اليمين واليسار ومسيرة الدولة في ظل العولمة, الذي يفعل إشكالية مصالح النظام السياسي الخارجية بعيدا عن الهيكلية الاجتماعية ,يضاف ضغط النقابات العمالية والإعلامية وغياب التخطيط الجاد لبعض قطاعات العمل والزراعة والتي تؤدي أحيانا الى التصادم , بعضا منها لمشكلات الاقتصادية , كارتفاع الأسعار , وانخفاض القوة الشرائية ,الذي ساهم في تفاقم مشكلات الحرب الروسية الأوكرانية , التي افقدت دول الاتحاد مصادر مهمة للوقود والطاقة, المحاصيل الزراعية. ولد بطبيعة الحال،ارتياحا لانتقال التوتر الى غرب اسيا بما يحمله من تداعيات على الاقتصاد وعسكرة الساحة

الضغط العامل الجيوسياسي على القارة الاوربية من جراء الحرب الروسية الأوكرانية , ترك الساحة الاوراسية من دون ان تتفاعل فيها أزمات تاريخية قديمة بين دول اوروبا , وذهاب الأمريكي نحو اهمال أوكرانيا , وتركها تسير وفق رؤى فلاديمير بوتين, والانتصار الذي تحققه القوات الروسية في تثبيت قواعد اشتباك لصالح بعدها وامنها الوطني والقومي , هو بحد ذاته انتصار لروسيا لكنه بنفس الوقت فرض واقعا جيواقتصاديا سيؤثر على القارة الاوربية ذات الاطلالة على البحر المتوسط. التحلل من الضغوط التي تعاني منها أوروبا, قد يعيد استمرار التعاون الاقتصادي بين روسيا وبعض دول الاتحاد الأوربي.

لا يوجد طريق يعتمده النظام العالمي القائم على المادية، افضل من العامل الجعابئ بعلم الأخلاق, لأنه بكل سهولة ينتج اخلاقا تناسب حركته هو , وليس مهما ان تنيوسياسي لأثبات صلاحه الكوني , بغض النظر عن منهجه واسلوبه ولغته المتبعة, غير اسب الفطرة الإنسانية , ليضمن استمراريته .

ما يحدث في غزة لا يخرج عن هذا النطاق فوفق منظروا الجيوبوليتك الامريكان تم اعتبارها قاعدة بحرية غير ثابتة لتقدم قوى البحر , وهكذا لبنان, وخاصة بعد اكتشاف الغاز على ضفافهما في البحر المتوسط , الذي يتقاطع مع نجاح المشروع الصهوامبريالي [ الممر- نيوم -قناة بن كوريون], مدنية النظام العالمي, تتبنى إبادة شعب كامل في القرن الواحد والعشرين, ليتوالد مرة ثانية , تأن غزة المعذبة ومن خلفها جماهير العالم الغاضبة ,حناجر تجوب عواصم العالم تجلد أمريكا , وصور أطفال غزة المقطعة تكلم العالم عن جلاديها وبشاعتهم , وكيف تم منعهم من البقاء احياء في هذا الكون , منعوهم ,الهواء ,من الماء, من اليابس ,من الغذاء , حقائق ستلف رقاب الظلمة أينما كانوا إيذانا بالتغيير , وايذانا بخلل أصاب حركة [ حركة راس المال المدفوعة بقوة وإرادة محركيها] لان الكتلة الجماهيرية لفطرتها ترفض وستقف امام هستيريا نظام أخلاقي يفعل ميكانزمات الانحطاط .

ومثلما كانت الحرب العالمية الأولى 1914 إيذانا بإعادة ترتيب القوة الاقتصادية في العالم مثبتة أمريكا كقوة اقتصادية الأكثر ديناميكية في العالم , سيكون صراع البحار الداخلية إيذانا بنهاية تاريخ راس المال المالي , يرافقه انفتاح على إعادة ترتيب أولويات وعوامل حاول[ راس المال المالي وإرادة وقوة محركيه ] اقصاءها من الساحة العالمية , مثل [ الدين , العقيدة, نظريات المعرفة , العقل الذي يقول ان هناك صانعا ] علوم تسقط نظريات الجيوبوليتك لمحدوديتها, ويظهر للإنسان ان الأرض جرم صغير يسبح في نظام كوني اكبر منها , يزود حركتها واستمراريتها سنن وقوانيين ضرورية للبقاء , وان ما حباها الله من قوانيين كدوران الأرض وتعاقب الليل والنهار والشمس والقمر , والهواء والمطر , واليابس والماء لم يكن للإنسان دخل في ايجادها, وانما هي عوامل تساهم في حفظ الوجود الإنساني , لأنه هو المخلوق الفاني في هذا الجرم الصغير.

هل استقرأ منظورا المادية هذه الاحداث , وأرادوا ان يكونوا احد عوامل التغيير المرحلية , وعولوا على عبور هذا الشوط ,من خلال العقيدة , لان المرحلة الراهنة المترتبة على قيام نظام متعدد الأقطاب أشار الى انفصام حركة التاريخ عن مسيرة النظام الرأسمالي ولم يعد موجها للتاريخ ,انفصام يجري في سلسلته التاريخية او ما نطلق عليه المسار التاريخي لسطوع نجم الولايات المتحدة , شعرت أمريكا الناشئة ,ان هناك انفصام طال مناهجها , أصاب اهداف الاستثمار الجيوسياسي للحلف الصهيوامبريالي , استنفذ ما بجعبته من اهداف تحييه , وخاصة في غرب اسيا, وانفصام مساره في الاقتصاد العالمي الذي اصبح لصالح قوى أخرى , ليتصاعد خط الانفصال ليشمل خطوط وطرق المواصلات وسكك الحديد لاقتصادية التي توحد القارات سواء من جانب الصين التي اعتبرها أمريكا عدوا ومنافسا, لأنه أسس خطوط وطرق المواصلات وسكك الحديد التجارية التي تقطع قارات العالم يبشر باعتماد الاقتصاد العالمي على الصين والانخراط في مشروع الطريق والحرير , او من جانب روسيا وخط الشمال الأول والثاني مع اوروبا واواسط اسيا, لتاتي ازمة أوكرانيا المدفوعة أمريكيا ضد روسيا ,يضاف تصاعد سقوف تكتل شنغهاي الاقتصادي ,كل ذلك ستكون له أولوياته على الساحة الدولية يخرج أمريكا من المعادلات الدولية , لذلك فان الانفصال سيطال حتما ما دابت على ربط امنها القومي بأمن الكيان الصهيوني الذي يعاني اليوم من التفكك والهجرة ودخوله معادلات محور المقاومة ضربة بضربة.

اختباء [فشل أمريكا]على الساحة العالمية خلف بشاعة مجازر الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان ,وخلف حلم الكيان الصهيوني بارض إسرائيل الكبرى ,بات واضحا من انه ذات المسار الذي يحمل سيادة النظام الراسمالي المواجه للصين وروسيا عالميا, نظام رأسمالي استُفرغ من موروثه الفكري ليبقى منه مصانع تصدر القتل واسلحة فتاكة تقتل الطفل الصغير وترعب الناس الامنين وبدأ باستثمار مَعقله الأخير الكيان الصهيوني , كازمة ثلاثية الابعاد للأقطاب العالمية الصاعدة [ الصين , روسيا, ايران] ,لذلك دوما تسمع من طرفي الصهيونية الامريكية بذراعيها الجمهوري والديمقراطي [ حرب إسرائيل الوجودية], وبدأنا نسمع تبني لخطاب نتنياهو من قبل مرشحي الانتخابات الرئاسية الامريكية واعتبار ان عدوهم اليوم هو ايران وليس الصين .
كل مراحل الانفصال التي يعاني منها النظام الراسمالي تثّبت معادلات سياسية واقتصادية تجارية تفرض تراجعا، لأمريكا وللدولار الأمريكي.

ابراز ظاهرة الدولة اليهودية , بمعاداتها للدين الإسلامي ,وتتابع اجندات وتسلسل للدين -بعد فشل الجيوبوليتك كأداة صهيوامبريالية- من خلال الديانة الإبراهيمية , [بتفوق الدولة اليهودية = الديانة اليهودية ] بروز ظاهرة انشاء المعابد والكنائس وأماكن وثنية في مختلف ارجاء الجزيرة العربية ,والتحلل الاخلاقي والنزوع الى تبني دساتيرها للإجهار بالمثلية ,من قبل عدة دول عربية إسلامية مثل الدولة السعودية والامارات.., هذا التحلل الأخلاقي هو احد أوجه الحرب الناعمة لإحداث الاخلال في موازين القوى الإقليمي في المشرق العربي المراد ان تحصد نتائجه لصالح الحلف الصهيوامبريالي تشير الى صراع حضاري ثقافي قائم على الاقصاء.

 

الدكتور عامر الربيعي
رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية العربية – الاوربية