الثلاثاء - 22 اكتوبر 2024

التشكيك من قبل الأبواق الامريكية في المنطقة العربية..!

منذ يوم واحد
الثلاثاء - 22 اكتوبر 2024

علي عزيز الزبيدي ||

 

تشكّك في وجود صراع حقيقي لانستغرب من الهجوم الإعلامي على محور المقاومة وراس المقاومة هو ايران

والصراع بين إيران والكيان الصهيوني، وتصرّ على الترويج لفكرة مفادها أن إيران تتظاهر بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وتتخذ من هذا التظاهر وسيلة لمدّ نفوذها في منطقة الشرق الأوسط التي تسعى للهيمنة عليها. في المقابل، يتبنّى فريق آخر أطروحة نقيضة مفادها أن الصراع بين الكيان الصهيوني حقيقيّ وعميق وله أسباب موضوعية، وتتهم المشكّكين بأن لديهم دوافع طائفية وسياسية تستهدف بذر الفتن والإيحاء بأن إيران باتت تشكّل مصدر تهديد للعالم العربي يفوق التهديد الذي يمثّله المشروع الصهيوني نفسه.

فأين تقع الحقيقة بين هاتين الأطروحتين المتناقضتين..؟!

من المسلّم به أن تختلف رؤية إيران للقضية الفلسطينية عن رؤية الدول العربية لها. ففلسطين وطن لشعب عربي يرتبط مع الشعوب المجاورة بروابط قومية صنعتها وحدة الثقافة والتاريخ المشترك.

وعندما أرادت الدول العربية المستقلة نسبياً إنشاء “جامعة الدول العربية” في منتصف أربعينيات القرن الماضي، ولم يكن عددها في ذلك الوقت يزيد عن 7 دول، لم تنسَ الشعب الفلسطيني الذي كان يناضل ضدّ الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني الاستيطاني معاً، والتزمت بمساعدته إلى أن يتمكّن من تحقيق استقلاله كاملاً، بل ولم تتردّد في خوض الحرب إلى جانبه بمجرد إعلان بن غوريون قيام “دولة إسرائيل” عام 1948.

صحيح أن الدول العربية هزمت في تلك الحرب، لكن الصراع بينها وبين الكيان ظل محتدماً وأصبح يطلق عليه مصطلح “الصراع العربي الإسرائيلي”، وليس “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.

لم تشعر إيران، وكانت واقعة آنذاك تحت حكم أسرة رضا بهلوي، أنها طرف في هذا الصراع، على الرغم من تصويتها ضدّ مشروع قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، واعتراضها على قبول “إسرائيل” عضواً في الأمم المتحدة عام 1949.

فقد راحت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية تتحسّن باطراد عقب سقوط حكومة مصدق ونجاح وكالة المخابرات المركزية الأميركية في إعادة تنصيب محمد رضا بهلوي حاكماً على إيران عام 1953، وأصبحت إيران ثاني أكبر دولة إسلامية، بعد تركيا، تعترف بـ “إسرائيل” وتقيم معها علاقات رسمية، وظلت علاقات التعاون بين البلدين تتنامى حتى اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.

ولأنها كانت ثورة ضد نظام الشاه، وبالتالي ضد الدول التي تربطها به علاقات خاصة،

وفي مقدّمتها الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وأيضاً ضد المظلومين والمضطهدين في كل أنحاء العالم، وفي مقدّمتهم الشعب الفلسطيني، فقد كان من الطبيعي أن يبدي النظام الإيراني الجديد تعاطفاً مع القضية الفلسطينية، وهو ما يفسّر قراره الفوري بقطع العلاقات مع الكيان وتحويل مبنى بعثته الدبلوماسية في طهران إلى مقر لمنظّمة التحرير الفلسطينية.

شاءت الأقدار أن تندلع الثورة الإيرانية بعد أشهر قليلة من توقيع السادات على اتفاقيتي كامب ديفيد، وقبل شهرين فقط من توقيعه على “معاهدة سلام” مع الكيان الصهيوني.

وبينما كانت إيران تسعى لتثبيت أقدام نظامها الجديد في الداخل وحماية نفسها من المؤمرات الخارجية، خصوصاً وأنها كانت تخشى من تكرار سيناريو ما جرى لها وفيها عقب ثورة مصدق، كان السادات يستقبل الشاه المخلوع من عرشه والمطرود من شعبه ويحتفي به في القاهرة التي أصرّ على دفنه فيها.

بعبارة أخرى يمكن القول إنه بينما كان النظام الثوري في إيران يسعى جاهداً لقيادة التيار المناهض لمشروع الهيمنة الأميركي والصهيوني في المنطقة، كانت الدولة العربية الأكبر تسعى تحت قيادة السادات لدفع المنطقة نحو الاتجاه المعاكس كلياً. ولا جدال في أنّ انسحاب مصر من معادلة الصراع العسكري مع الكيان ترك فراغاً حاولت القوى المتنافسة على قيادة المنطقة ملأه.

ومن الطبيعي، في سياق كهذا، أن يتصاعد العداء تدريجياً بين إيران والكيان وأن يتجذّر باستمرار، خصوصاً وأن أياً من الدول العربية الوازنة لم يستطع ملء الفراغ الذي تركته مصر، بل إن عدداً لا يستهان به من هذه الدول راح يتخلّى تدريجياً عن القضية الفلسطينية ويطبّع علاقاته مع الكيان، قبل التزام الأخير بقيام دولة فلسطينية مستقلة.

كما كان من الطبيعي في الوقت نفسه أن تصبح إيران الثورة، في ظلّ تقاعس النظام الرسمي العربي عن المواجهة العسكرية مع الكيان وعجزه في الوقت نفسه عن إيجاد تسوية سلميّة للقضية الفلسطينية، هي الطرف المؤهّل عملياً لقيادة التيارات السياسية والأيديولوجية المناهضة للهيمنة الصهيونية في المنطقة.

لا توجد بين إيران والكيان الصهيوني حدود مشتركة وتزيد المسافة التي تفصل بين عاصمتيهما عن ألفي كيلومتر، ما يفسّر اعتماد كلّ منهما على ركائز مختلفة في إدارة صراعه مع الطرف الآخر.

فاعتمدت إيران في إدارتها للصراع مع الكيان على تطوير قدراتها الذاتية، خاصة في المجالين النووي والصاروخي، من ناحية، وعلى تطوير علاقاتها بحلفائها القريبين منه جغرافياً، خاصة سوريا وحزب الله، من ناحية أخرى.

وقد نجحت بالفعل في إقامة برنامج نووي أصبح حالياً يمتلك من الموارد التقنية والعلمية ما يسمح له بصناعة سلاح نووي خلال فترة قصيرة جداً، إن أراد، وفي إقامة برنامج صاروخي أصبح حالياً يمتلك ترسانة من الصواريخ والمسيّرات تكاد تضارع ما تملكه دول كبرى، كما نجحت أيضاً في إقامة علاقات وثيقة مع حلفائها القريبين من الكيان، خاصة مع حزب الله.

والمقاومة الشعبية في سوريا واليمن والعراق كلها تصب في ضرب الكيان الصهيوني وتحرير المنطقة من هذا السرطان الذي ينتشر بين دول المنطقة والعالم بأسره،