الثلاثاء - 22 اكتوبر 2024

سمير صبيح..المفعم بهاجس الوطن والكبرياء الذي توشحت به القلوب..!

منذ 4 ساعات
الثلاثاء - 22 اكتوبر 2024

سمير السعد ||

رحل كجسد وبقي كوتد ذلك هوالشاعر سمير صبيح، يتجلى بروحه وقصائده لعشاق الشعر الشعبي العراقي، ترك بصمته العميقة في نفوس محبي الكلمة والجمال.

بشاعرية فريدة وحس مرهف، كان يعبر عن نبض الشارع العراقي، آلامه وأفراحه، بلغة ثالثة تحمل العمق الانساني.

لم يكن مجرد شاعر، بل كان صوتاً للمقاومة والصمود، استطاع أن يجسد معاناة الناس اليومية في قصائده، ويعكس الحنين العميق للأرض والأهل. يقول في إحدى قصائده:

احركني كتله حطب
بيه ادفه واني احترك
كيف حركني ودف
وطفاني بعد الحرك
كتله ضميرك صحى
لا كال اريدك فحم
مرتين راد احترك
وطبع السعادة دهن
وماي اني ما ننجمع
شما ننخبط ننعزل

في هذه الأبيات، نرى صورة شعرية تعكس الصبر والصمود أمام قسوة الحياة، حيث يتحدث عن مرور الزمن دون أي أمل في الراحة، لكنه يصر على عدم نسيان من يحبهم رغم كل الصعاب. شعره حمل دائماً معاني التضحية والوفاء.

كان سمير صبيح يكتب بحب عميق للوطن، وكلماته كانت تنبض بوجع الناس وأحلامهم، فتراه في قصائده يشاركهم همومهم وكأنه يعيش في كل بيت، ليحترق بشعره القريب من هموم الشارع ويقول في أحد مقاطع قصائده:

كافي انتظرنه عمر
هيج انت تستاهل
كتلهم ابقى انتظر
مو طعمه بس يختلف
المنتظرة يستاهل
هذا اللي بنص البحر
والمي يطب مركبه
تظل روحه بالساحل
وزع ادواره الزمن
اختاريت دور انكتل
ما ادبر الكاتل

هذه الأبيات تعبّر عن شوقه لعودة اللحظات الجميلة مع من أحبهم، وترسم لنا صورة شعرية مليئة بالحنين للزمن الجميل والأشخاص الذين غابوا عن حياته.

ورغم أن الرحيل كان نهاية لمسيرة شاعرية طويلة، إلا أن شعره يبقى حيّاً في قلوب محبيه، فهو من أولئك الشعراء الذين لا تموت كلماتهم بمرور الزمن.

كان واحداً من الشعراء الذين استطاعوا ببساطة أن يكونوا لسان حال الشارع العراقي، حيث لم تقتصر كلماته على التعبير عن المشاعر الشخصية، بل غاصت في عمق التجربة الإنسانية الجماعية. عبر قصائده، نلمس روح التحدي والعناد في مواجهة الشدائد،

يقول في إحدى قصائده الشهيرة:
اشلع ما اسد
والغيهن الفتحات
الجانن بوب امس
ما سدهن الغيهن
والزمهن سره
باب العدل والطيب
التسامح والصلح
اولهن الغيهن
الحصلته شنو
من جانن مشرعات
يكثرن بالهله
وينتعل راعيهن

في هذه الأبيات نرى بوضوح تلك الروح المقاومة التي حملها في قلبه، حيث يتحدث عن القوة الداخلية التي تمنعه من الانكسار رغم الألم. وكأن كلماته تعبر عن موقف فلسفي تجاه الحياة؛ حيث الألم جزء من الوجود، ولكنه ليس نهاية المطاف. دائمًا ما كان يمزج في قصائده بين الحزن والأمل، بين الوجع والقوة.

ومن أشهر المواضيع التي تناولها ، كانت الوحدة والغربة النفسية، حيث غالباً ما نراه يتحدث عن الغياب والحنين للأشخاص والأماكن. في إحدى قصائده التي تلامس هذه المشاعر،

يقول:
نفذ صبري على روحي
وراح اچويه واعاتبه
واذله والا انسيه
مو اي قلب تمشيه
وأراويه وجه جناز كاظيه
شفت نجم الظهر
لحد ما جبته للراگ
اقل روجه تجي
ترده على ماضيه

يصف الشاعر هنا الغربة بوصفها تجربة مُرة تأخذ من الإنسان جزءًا من روحه، ولكن ما يجعل هذه الأبيات مميزة هو قدرته على تصوير الغربة ليس فقط كابتعاد جسدي، بل كإحساس داخلي يجعله يشعر بفقدان الحياة والحب.

إضافة إلى ذلك، كان للشاعر الراحل قدرة مدهشة على نسج صور شعرية بسيطة لكنها عميقة، تعكس واقع الحال وتلامس قلوب الناس. فقدرته على تحويل معاناة الإنسان البسيط إلى كلمات تنبض بالحياة كان ما يميزه ويجعله مقرباً من جمهور واسع.
سمير صبيح كان بالفعل شاعراً وجدانياً مرهفاً، إذ استطاع بأسلوبه البسيط والعميق أن يلامس قلوب الناس ويعبر عن مشاعرهم بطريقة استثنائية.

لم يكن شعره مجرد كلمات تُنظم لتروي قصة أو حالة معينة، بل كان ينبع من وجدانٍ صادق، يتجلى في كل بيت وكل قصيدة كتبها.

حساسيته المرهفة جعلته يتعامل مع القضايا العاطفية والإنسانية بأسلوب شفاف، فكان يلتقط أدق التفاصيل التي يعيشها الإنسان في لحظاته الحزينة والسعيدة على حد سواء. يقول في إحدى قصائده:

مره سهرنه سوه
اني وخيالي وحطب
بليلته جانت برد
والسنة نار الحطب
تتمايل وي الهوى
البروحي نفس اللهب
والبيه مدمن دمع
شما اصب ينتشي

في هذه الأبيات، نرى كيف يتعامل مع الحزن والحنين، حيث يعكس حالة عميقة من الوحدة والانفصال عن الذات، ومع ذلك، فهو يعبر عنها بطريقة شاعرية رقيقة تشعرك بمدى الرهافة التي عاش بها وكتب من خلالها.

تجربته الوجدانية لم تقتصر على التعبير عن الألم فحسب، بل امتدت لتشمل لحظات الفرح والأمل، حتى عندما يكون الأمل بعيد المنال. ففي لحظاته الأكثر حزناً، كان دائماً هناك شعور بالأمل الذي يتسلل في كلمات سمير صبيح، كما في قصيدته:

تذكر من احطلك
بوسات على الباب
والباب الصبح من تطلع يگلك
تذكر من اجي لشوفتك
جيت الروج
وعلى حطتك جرف
ظليت ما ملك
لا اني من البحر خلصان
ولا جرفك يلمني
وتعبت حلك

، نرى كيف يلتقط الشاعر تفاصيل العلاقة الإنسانية بوجدان عميق، ويعبر عن معانٍ مرتبطة بالحب والوفاء بطريقة مرهفة، مستعيناً بصور بسيطة ولكنها تحمل معاني عميقة في قلوب المستمعين.

سمير صبيح، بوجدان مرهف وحساسية مميزة، استطاع أن يجعل من كلماته مرآة للروح الإنسانية، بما تحمله من مشاعر متناقضة ومركبة.

ومن الشعراء الذين حملوا حباً خاصاً وعميقاً لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكان هذا الحب ينعكس بوضوح في الكثير من قصائده. فقد جسد سمير صبيح هذا الحب ليس فقط كعاطفة دينية، بل كإيمان حقيقي بالقيم التي يمثلها الإمام علي، مثل العدالة، الشجاعة، التضحية، والوقوف مع الحق.

في قصائده التي تتناول شخصية الإمام علي، نراه يستخدم لغة تجمع بين الحميمية والاحترام العميق، حيث يصف الإمام علي بأنه رمز للقوة الروحية والنزاهة. يقول في إحدى قصائده:

سيل من الحمم ماصدته الاصنام
صاح الله واحد الاحد
واصنام الكفر دخان ماتصد ريح
بوجه العاصفة الدخان يتبدد
ماردت الشمس تنوضع في يمناك
ولا ردت الكمر باليسرة يتوسد

هنا نرى كيف يوظف الشاعر حبّه للإمام علي (ع) ليعبر عن موقف إنساني أوسع، وهو الوقوف مع الحق والشجاعة في مواجهة الظلم. صبيح يربط بين حب الإمام علي وبين تلك القيم النبيلة التي تدعو إلى العزة والكرامة.

حب الشاعر للإمام علي (ع) كان حباً ينبع من قناعة بأن علي بن أبي طالب (ع) ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو رمز حيّ للعدل والمبادئ. في قصيدة أخرى، يقول:

تطشرنه الفتن
والمغريات هواي
بس حبك يلمنه
وبيه نتوحد ومن حبنه الك
حبينه اهل البيت
وحبنه الهم كل يوم يتجدد
من راد الكفر ذكر بليل يضيع
علي بعده فتى وبفراشك تمدد

في هذه الأبيات، نلمس توظيفه لألقاب الإمام علي وصفاته التي ترتبط بالدفاع عن المستضعفين، وكأنه يستحضر علياً كقوة حية تتجلى في كل زمن وفي كل موقف يتطلب الدفاع عن الحق.

استطاع أن يوظف حبّه العميق للإمام علي بن أبي طالب في قصائده بطريقة تجمع بين العاطفة الصادقة والعمق الفكري. كان حبّه للإمام علي تعبيراً عن إيمانه بالعدل والقيم الإنسانية الرفيعة، مما جعل كلماته تتجاوز الزمن وتخاطب القلوب والعقول. سمير صبيح، بشاعريته المرهفة وحبّه النقي، رسم صورة حية للإمام علي في قصائده، وحافظ على مكانته في قلوب محبي الشعر ومحبي أهل البيت على حد سواء.
في ختام الحديث عن الشاعر سمير صبيح، نستطيع القول إنه كان رمزاً للشعر الشعبي العراقي، جسّد بكلماته معاناة الناس وأفراحهم، وعبّر عن الحب، الحنين، والوفاء بصدق وإحساس مرهف. شعره لم يكن مجرد كلمات منظومة،

بل كان تجسيداً لأصالة الإنسان العراقي وصموده أمام تحديات الحياة. حمل في قلبه حباً عميقاً لأهله ووطنه، وكان صوتاً للمقاومة والأمل، متمسكاً بالقيم الإنسانية والعدالة التي استمدها من حبّه لأهل البيت. برحيله، فقدت الساحة الشعرية واحداً من أعمدتها، لكن كلماته ستظل حيّة في قلوب كل من استمع إليها وتفاعل مع وجدانها.