الجمعة - 26 ابريل 2024

حضانة الطفل والمشرع العراقي

منذ سنتين
الجمعة - 26 ابريل 2024


د.قاسم بلشان التميمي ||

جميع الامم والاوطان ومنذ القدم والى الان والى يوم القيامة تبحث دائما وابدا وتعمل من اجل سعادة ابنائها، هذه السعادة لاتأت عن طريق ( سلة او زنبيل) من السماء، بل تأت عن طريق العمل الجاد والبذرة الصالحة ، هذه البذرة الصالحة متمثلة في الذرية( الاولاد، بنات وبنين) لان الاولاد هم عماد الاوطان لذلك لابد من بذل كل الجهود والعمل على ان تكون بذرة الاولاد في تربة صالحة، واقصد بالتربة الصالحة العائلة( الاب والام)، لذلك نرى ان جميع المجتمعات ومنذ فجر التاريخ قامت بتشريع القوانين التي من شانها تنظيم حياة الاسرة،وتكون هذه القوانين ميزانا لحقوق الناس (الاسرة) ، مستندة الى تشريعات دينية (سماوية او وضعية) أو مبادئ دستورية ثابتة، تشتق منها تلك القوانين هذه القوانين في جوهرها تدعو الى تربية صحيحة للطفل ولعل من ارقى وافضل انواع التربية دون ادنى شك تربية الطفل في كنف واحضان والديه ، حيث ينال الطفل من الوالدين تربية صحيحة تنمي عقله وجسمه وسلوكه ، ولكن تحدث امور من شأنها ان تفرق بين الوالدين ولعل من اهمها وابرزها الطلاق، فينشأ نزاعا وسجالا وجولات بين الاب والام من اجل الفوز بحضانة الطفل ، هذه الحضانة التي لم يغفل عنها فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم بل حتى غير المسلمين لم يغفلوا عن هذا الجانب حيث اعطوا اهمية بالغة لهذا الموضوع فوضعوا احكاما تنظم حضانة الطفل بالشكل الذي يجعل الطفل يعيش حياة سليمة وقويمة وينشأ نشأة صحيحة وصالحة.
لقد نصت المادة (2) أولا من الدستور العراقي: ” لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت وأحكام الإسلام ” كما إن المادة (41) منه نصت أيضا ” العراقيون أحرار في إختيار أحوالهم حسب مذاهبهم وحسب إختيارهم ” ورغم ذلك ما زلنا نجد قوانين تخالف التشريعات الإسلامية التي يعتقد بها غالبية العراقيين، أو موادا أساسية من الدستور العراقي، ربما لعجز المشرع العراقي عن إيجاد البدائل القانونية والتشريعية الصحيحة، أو خوفا من أن تثير هذه التعديلات موجة من الانتقاد للمشرعين، من قبل المستفيدين من إبقاء الأوضاع كما هي عليه الآن.
يعتبر قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 وبالخصوص المادة 57 منه، من اهم القوانين العراقية التي تضمنت طبيعة الحضانة للطفل بعد إنفصال الأبوين، حيث جاء المشرع العراقي في هذا القانون بعد أن إستخلص من الآراء الفقهية ما رأى أنه يحقق مصلحة المحضون، وبما ينسجم مع واقع المجتمع العراقي.
حيث نصت المادة 57بعد التعديل ( يشترط ان تكون الحاضنة بالغة عاقلة امينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولاتسقط حضانة الام المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة احقية الام او الاب في الحضانة في ضؤ مصلحة المحضون)، هذه الفقرة عدلت بالقانون رقم 106 لسنة 1987 حيث كان سابقا تنتهي بعبارة( غير متزوجة بأجنبي عن المحضون) فجاء التعديل ليلغي هذا الشرط ويجعل الامر (موكول) الى المحكمة فأن رأت ان مصلحة الطفل في ان يبقى مع امه رغم زواجها ابقته معها وفي حضانتها والا نزعت حضانته منها واعادته الى ابيه.
وليس هذا فحسب فان التعديلات التي أدخلها مجلس قيادة الثورة المنحل على هذا القانون جعلته (القانون) اجوف وفارغ بل اصبح خطرا يهدد الأولاد ويهدد تربيتهم، فبعد أن كانت مدة الحضانة للزوجة سنتين أو سبعة، أصبحت عشرة ثم خمسة عشر عاما، وبعد إن كانت الحضانة تسقط عن الزوجة بمجرد زواجها، أصبحت تحتفظ بأولادها حتى لو كان زوجها الأجنبي عليه قيد جنائي! في مخالفة لشروط الحضانة، وهي مصلحة المحضون بحسب ما نص عليه القانون.ؤل
من المعروف ان الفقهاء يقولون بنزع حضانة الطفل من امه اذا تزوجت بأجنبي عن المحضون ، بمعنى لم يكن بينهما رحم ( بين الطفل وزوج الام الذي لايمت بصلة قرابة مع الطفل) ، بل ان المذهب الجعفري ذهب الى ابعد من هذا حيث لايفرق بين الزوج القريب مثل العم او الاجنبي ، حيث يحكم في نزع حضانة الطفل من امه متى تزوجت.
ولكن على ارض الواقع ما الذي يحدث ان الذي يحدث تبقى حضانة الطفل من حق الام سواء تزوجت قريب او اجنبي عن الطفل ، وهذا الامر لابد من دراسته والاهتمام به، لانه ليس من الانصاف ان يكون الطفل بعيد عن والده ، بل ان المشرع العراقي ( نكن له كل الاحترام) اعتقد انه ظلم الآباء والأبناء في نفس الوقت ، حين ألغى دور الأب في عملية التربية المشتركة وجعل دوره مقتصرا على المشاهدة، التي لا تتعدى ساعتين نصف شهرية أي بمعدل 48 ساعة سنويا، كما ان المشرع العراقي اوجب بعدم بقاء المحضون عند والده ليلا اذ يجب ان يبيت المحضون عند حاضنته عملا بالفقرة (4) من المادة 57 من قانون الاحوال الشخصية رقم (188 ) لسنة 1959 المعدل .
نرى مما تقدم ان هناك اجحاف بحق الوالد لذلك يجب اصدار قانون جديد بشأن الحضانة مع العلم ان المشرع العراقي لم يأت بتعريف للحضانة وهذا امر يجب التوقف عنده.
انا اعتقد ان الوالد بمثابة الماء للتربة ، ولو افترضنا ان الام تربة فان المنطق يقول لايمكن للتربة ان تعطي حياة للبذرة دون ماء ، لذلك يجب الانتباه الى الماء حتى تنبت البذرة (الطفل) وتكون شجرة مثمرة ، ولكن هذه الشجرة لايمكن ان تكون ثمرتها طيبة وناضجة دون الماء ( الاب).
ــــــــــ