الجمعة - 26 ابريل 2024

اذا انتفت الضرورات فمصير الاتحادات الى الافات

منذ 4 سنوات
الجمعة - 26 ابريل 2024



حامد البياتي

شب الغلام المشؤوم، الصفق النزق، الذي ولد باسم نيوانگلند ابان حرب الشمال والجنوب الاهلية اول الامر، ثم بدله الى الولايات المتحدة الامريكية بعد الاستقلال الذي تحقق عن بريطانيا، فاستهتر واستطال، وارعد وازبد، وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اشتدت عنجهيته على العالم وعلى الاوربيين انفسهم خاصة، ففكروا في انشاء تحالف لحفظ قارتهم العجوز من استفزازاته المتكررة وابتزازاته المتواصلة، فولد الاتحاد الاورپي في عام ١٩٥١ وكان في بادئ امره متكون من ستة دول ثم ارتقى الى ٢٨ في عام ٢٠١٤، ومازالت دولا اخرى تنتظر اللحاق بركبه، بينما خرجت منه بريطانيا القلقة المزاج التي ماحملت يوما تمام الود اليه، فحنينها كان دوما مع امريكا التي انجبتها من ضلعها الاعوج٠
والاتحاد الاورپي، هو الاخر، كتلة غير متجانسة اللغة والمذهب والعرق والقبيلة، فالغالبية من شعوبه تنتمي الى مايسمى تقليدا بالهندو اوربية وهي شجرة وارفة المجتمعات واسعة الجغرافيات، تشمل فرنسا وبريطانيا وايطاليا والسويد والدانمارك والنرويج والمانيا والنمسا وهولندا وغيرها، واما القسم الثاني فيشمل دولا اخرى مختلفة ، وهي يوغسلافيا وهنغاريا والپاسك ( الاقليم الذي يتنازع عليه كل من اسپانيا وفرنسا ) واستونيا وفنلنده والساميين الذي يقطنون في شمال الدول الاسكندنافية٠
ومن المعروف، ان هناك ثلاث طوائف عظيمة، تتوزع على الساحة الاوربية، وهي الاسلافيين واللاتينين والجرمانيين، ولكل واحدة منها جماهيرها المتعددة والمتباينة، وبكلمة مختصرة، ان الاتحاد الاورپي كوكتيلا غير منسجم يضم اجناسا كثيرة، وبعكس الولايات المتحدة التي تسودها لغة واحدة هي الانجيليزية ومذهب يكاد يكون غالبا هو الپروتستاني الذي يشكل في نفس الوقت قرابة ٢٥/: من مسيحي العالم، ولذا فغالبية رؤوساء الولايات المتحدة هم من صلب هذا المذهب ماعدا جون كينيدي الكاثوليكي والذي قتل في ظروف غامضة في عام ١٩٦٣ وقد كتب في ظروف اغتياله اكثر من خمسة اطنان من الورق المخابراتي المريب٠
لقد اتهمت الكارونا ( كوفيد ١٩ ) ظلما وعدوانا بانها سوف تفجر لحمة الاتحاد الاورپي وتفتته، وتعيد دوله الى المربع الاول، في حين ان هذا الوباء كشف القشرة التي كانت تحجب حقيقة هذا التجمع، وهو الخوف من القرصنة الامريكية المتغولة التي شعرت بتململ حليفتها الاوربية منها، لذا سارعت في زمن جورج بوش الابن في هجومها على افغانستان والعراق لوضع يدها على حقول الطاقة، لتجعلها ورغم انفها تدور في فلكها الاقتصادي والعسكري والسياسي، مما دفع اخيرا ايمانويل ماكرون الفرنسي وبعض القادة الى المناداة بتأسيس جيشا مستقلا٠
لقد انحلت اتحادات وتكتلات عديدة عاشت لفترات طويلة، فمثلا كانت الدول الثلاث الاسكندنافية مندمجة بواحدة تسمى الفايكنغ والتي ظهرت قبل ١٥٠٠ عام، وانفصلت عن بعضها قبل ٨٠٠ عام، ثم اندمجت الدانمارك مع النرويج، ثم فك ارتباطهما، لتعود النرويج بالاتحاد مع السويد٠
وتفكك الاتحاد اليوغسلافي الى سبعة دول وهي صربيا والجبل الاسود والبوسنة والهرسك وسلوفينيا ومقدونيا وكوسوفو٠
وكذلك تمزقت البرتغال عن اسپانيا٠
والاتحاد السوفيتي ذاب في ١٦ دولة٠
واختفت الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا وما عدنا نسمع باذاعتها الثورية٠
لاريب، ان هذا الانحاد مرهون ببقاء الولايات المتحدة الامريكية، وسوف يدخل غرفة الانعاش ثم يموت سريرا، بمجرد انصهار امريكا الى دولها الخمسين، وقد لاحت مؤشرات وبوادر هذا الانصهار، وخصوصا في ولاية كاليفورنيا التي ارتفعت فيها اصوات الانفصال وزادت في الاونة الاخيرة، ولا يخفى ثقلها الاقتصادي وثرائها المالي، اذ انها تشكل حوالي ٨٠/: من مجمل اقتصاديات الولايات الباقية، لانها تضم معظم الانتاجات الصناعية الضخمة وشركات الانترنيت والهواتف النقالة بالاضافة الى هوليوود وما تجنيه ستوديوهاتها من اموال خرافية٠
من يعرف، قد يكون دونالد ترامب هو ميخائيل غورباتشوف الامريكي، عراب الانفصال والانقسام، وعندها يبدا الشعبويون اليمينيون المتطرفون الرادكاليون في تشيع نعشي الولايات والاتحاد الى مثواهما الاخير٠
قال تعالى في محكم كتابه المجيد ( باسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى )٠
صدق الله العلي العظيم٠
٢٢/٤/٢٠٢٠
ــــــــــــــ