الجمعة - 26 ابريل 2024
منذ سنتين
الجمعة - 26 ابريل 2024


عباس محمد السالم ||

[email protected]
عندما فكرت الصين بحماية نفسها من الغزو والغزاة، قامت ببناء سور عظيم يصعب تجاوزه واختراقه سمية بـ (سور الصين العظيم)، لكن المفارقة في ذلك، خلال المئة سنة الأولى من بناء السور، تعرضت الصين ثلاث مرات إلى الغزو واختراق سورها العظيم! وذلك ليس من خلال تمكن القوات الغازية بتسلق السور،أو هدمه! بل من خلال اختراق المنظومة الأخلاقية، لحرس بوابات السور، ورشوتهم ودخولهم من أبواب السور!
ومن هنا نقول: مما لا شك فيه ان العمل لحماية البلدان، يكمن في بناء الانسان، وتدعيمه بمنظومة اخلاقية، وبعقيده حقه، وإشعاره بالمسؤولية، اتجاه من ينتمي اليهم، من خلال إشعاره بالانتماء لتلك الامة التي هو جزء مهم فيها، ورسم خارطة واضحة يسير عليها الافراد والمجتمع، حتى تستطيع من خلالها بالنهوض بالواقع الاخلاقي و المجتمعي، وتكبيل المفسدين.
فلقد حث ديننا الحنيف، على محاربة ظاهرة الفساد بجميع انواعه، وتوعد مرتكبيه بالمحاسبة والمسائلة، عاجلا أم أجلا، حيث أكد على ان الفرد المُفسد، لا يحضى برضا ومحبة الله تعالى،﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.
حيث اشار الى قضية، حقيقة، وواقعية، وموجودة، في المجتمع تساهم بخرابه، وهي قضية الجهل المركب بالفساد”وهو عدم علم الجاهل بأنه لا يعلم من مسألة الفساد شيئا”،﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾.
عدم شعورهم بالإفساد، هو نامي عن فساد اعتقادهم، وهم متيقنين بصدق دعواهم، بانهم مصلحون بحسب ما يعتقدون، ويرون ان عملهم صالح، حسب قوله تعالى : ﴿وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾. وهذه الفئة، من اخطر الفئات على المجتمع، لانها تعمل بالفساد تحت ظل اعتقاد “فاسد” بأنه اصلاح!
فالدين اعطى الفرد الحرية الكافية، للعمل بشكل صحيح، والكسب المشروع، سواء كان كسبا ماديا،ام معنويا، والحث على العمل الايجابي بدون فساد وإفساد، ليكون لك فيه نصيبين، الاول في الدنيا، والثاني في الاخرة،﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾.
ان التأكيد السماوي على بناء الانسان، قبل بناء الاوطان، جاء من منطلق الحرص على الاهتمام بالأُسس التي يمكن الوثوق بها للبناء، لان من يُعمر البلدان، ويُشيد البُنيان، هو ذلك الانسان، الذي يحتاج الى العمل بالتقوى، والارتكاز على مسارات صحيحة، تؤسس إلى بناء صحيح،﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
أن اخطر داء يصيب الإنسان؛ هومرض الخلايا الأخلاقية في روحه، بحيث يرى الفساد والافساد، هو الدواء لذلك الداء، فكلما يزداد المرضه، كلما يزداد شغفِه لفَساده! ولا ترى له في الافق من أيمان، اوتوبه، إلا ما رحم ربي!﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.
فالدين؛ هوالحصن العتيد، والركن الشديد، الذي يمكن اللجوء إليه، لحماية الفرد و المجتمع، وهو خير سور لصد الاعداء، ومواجهة الفتن. فهو تهذيب للنفس ، ويجعل منها صالحه، ومصلحه، وناجحه،﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، لانه يرتكز الى تعاليم حقه، من كتاب حق، ليس فيهما عِوَج، ﴿الحَمدُ لِلَّـهِ الَّذي أَنزَلَ عَلى عَبدِهِ الكِتابَ وَلَم يَجعَل لَهُ عِوَجًا﴾